البقاء في عالم صيني

"رؤية الصين للنصر".. كتاب يستعرض تحدي "التنين" للولايات المتحدة

◄ بحلول 2050.. الصين تخطط لبناء جيش "لا يمكن هزيمته"

◄ الصين لن تقبل بعالم متعدد الأقطاب بعد تفكيك "النظام العالمي الأمريكي"

◄ بكين تسعى للهيمنة المنفردة وليس الحصول على جانب من "الكعكة"

◄ هل تقبل أمريكا أن تعيش في عالم تملك فيه الصين أكبر اقتصاد وأقوى جيش وأضخم مركز ابتكار تكنولوجي؟

◄ على الأمريكيين أن يقروا بانتصار الصين وتفوقها لتفادي "حافة الهاوية النووية"

ترجمة - رنا عبدالحكيم

يسلط كتاب "رؤية الصين للنصر China’s Vision of Victory" الضوء على قوة الصين الصاعدة في العالم، في ظل زيادة الثروات الصينية وتنامي نفوذها العالمي.

غلاف.jpg
مؤلف الكتاب.jpg
 

والكتاب ألفه الباحث والخبير في الشأن الصيني جوناثان دي تي وارد، والذي بحسب تقرير نشرته مجلة "فورين بوليسي" بقلم تانر جرير، أفضل باحث قادر على الكتابة عن الشأن الصيني؛ إذ إنه حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة أكسفورد في السياسات الصينية. ويجيب المؤلف في كتابه عن سؤال: "ماذا تريد الصين؟"، وإجابته بسيطة؛ إذ يريدون "التفوق".

"رؤية الصين للنصر".. كتاب يفند الوهم بأن الزعماء الصينيين لا يبحثون عن شيء سوى دحر الهيمنة الأمريكية في غرب المحيط الهادئ، أو أنهم يأملون أن يصبحوا القوة المهيمنة في شرق آسيا وحسب. فعلى الرغم من تقديم طموحات متواضعة وسلمية مع الدول الأخرى، فإن قيادة الحزب الشيوعي الصيني تنقل بشفافية رغبتها في التفوق العالمي إلى الجمهور الداخلي. ومن خلال توجيه القراء عبر وابل من الوثائق الرسمية، ومقتطفات في جميع أنحاء الكتاب، يوضح المؤلف مدى اتساع نطاق هذه الطموحات الصينية.

ودفعت احتياجات الصين في مجال الطاقة "جيش التحرير الشعبي" إلى توسيع امتداده إلى باكستان وإفريقيا والمياه المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي. وتوضح الوثائق البيضاء الطموحات الصينية كي تشكل الوجود الاستراتيجي الأساسي ليس فقط في محيط شرق آسيا، ولكن في إفريقيا والمحيط الهندي وجنوب المحيط الهادئ. وتقول القيادة الصينية إن لديها مصالح اقتصادية أساسية في الخارج مثل أوروبا وأمريكا اللاتينية ومنطقة القطب الشمالي والفضاء الخارجي. ومع هذه المصالح الاقتصادية يتم وضع الخطط لتأمين العلاقات أو الوجود الصيني في كل منطقة.

وبحلول عام 2050، يهدف الصينيون إلى امتلاك جيش "لا يمكن هزيمته"، وأن تصبح المركز العالمي للابتكار التكنولوجي، وتكون بمثابة المرساة الاقتصادية لنظام التجارة والبنية الأساسية العالمية، كتلة اقتصادية من شأنها أن تكون غير مسبوقة في تاريخ البشرية. وفي خطاباتهم ووثائقهم، يطلق القادة الصينيون هذه الرؤية المستقبلية التي تتمحور حول الصين وحسب، إذ إن التصور المستقبلي يخطط لتفكيك النظام العالمي بقيادة الولايات المتحدة، وأن يتحول النظام الجديد إلى "مجتمع المصير المشترك للبشرية". وهذا الطموح يفضح أسطورة المستقبل متعدد الأقطاب؛ إذ تسعى الصين إلى الهيمنة المنفردة، وليس مجرد حصة من كعكة النفوذ العالمي.

ويتتبع المؤلف جوناثان دي تي وارد الرغبة الصينية في تشكيل مستقبل البشرية جمعاء (وليس فقط الجزء الخاص في شرق آسيا)، من خلال تدريس أسطورة وطنية لأطفال المدارس في جميع أنحاء الصين. ووفقا لهذه الأسطورة، يتعلم الطلاب أن الصين كانت ذات يوم مركز العالم، وكانت أرض أم الاختراعات، ومقر الثروة العالمية، ومنارة الحضارة. ومن ثم هذا هو دور الصين الطبيعي في النظام العالمي.

لكن ثمة مشاكل يواجهها المؤلف في كتابه، حيث إن اقتناع وارد بأن الحزب الشيوعي ليس القوة الدافعة وراء أولويات السياسة الخارجية للصين، يقوده إلى مصادر تضعف حجته بشأن النفوذ الصيني.

وهناك مشكلة مماثلة تصيب قسمًا من الكتاب المكرس لـ"النظام الرافد" قبل الأوان في الصين، حيث قامت دول تابعة مثل كوريا الشمالية بدفع مبالغ منتظمة مقابل الحماية الصينية، مع افتراض مشكوك فيه أن دبلوماسية "مينغ وتشينغ" تعطي فكرة واضحة عن النوايا الصينية. ويعتمد وارد على نموذج "النظام الرافد" الذي تم تطويره لأول مرة في الأربعينيات، وتم رفض هذا النموذج بالكامل تقريبًا من قبل المؤرخين الذين يدرسون القضية الصينية اليوم. وعلى الرغم من ترحيب وارد بالقول إن الإجماع التاريخي الحالي خاطئ، إلا أن القضية الحاسمة ليست ما يعتقده المؤرخون الغربيون بشأن الحكم السياسي الصيني الحديث، ولكن ما تعتقده العقول في تشونغنانهاي -حيث مقر قيادة الحزب الشيوعي- حول ماضي البلاد وأهميته لمستقبل الصين. في هذا الصدد، ليس لدى وارد ما يتحدث عنه.

وهناك مشكلة أكثر خطورة في النظر إلى التحدي الذي تفرضه القوة المتنامية للصين بعبارات وطنية بحتة. والسؤال الضمني الذي يطرحه كتاب وارد هو: ما إذا كان ينبغي على الولايات المتحدة أن تستوعب "رؤية الصين للنصر"؟ وهل يمكن للأمريكيين أن يعيشوا في عالم تملك فيه الصين أكبر اقتصاد، وأكبر قاعدة صناعية، وأقوى جيش، ومراكز رائدة في مجال الابتكار التكنولوجي والعلمي؟

من الناحية الفنية، نعم. فالولايات المتحدة دولة مسلحة نوويا وليس لها أعداء قريبون منها جغرافيا، ويحيط بها محيطان شاسعان، ولديها عدد هائل من السكان. وفي أوقات الأزمات، يمكن للولايات المتحدة أن تعتمد بالكامل على الموارد الداخلية لضمان الاكتفاء الذاتي من الغذاء والملابس والطاقة. حتى الصين التي تهيمن عسكريًا أو اقتصاديًا على "يورو آسيا" وإفريقيا وأمريكا اللاتينية لن تشكل تهديدًا جيوسياسيًّا حقيقيا على الولايات المتحدة من الناحية الجغرافية. وبالنسبة للعديد من الأمريكيين، فإن التنازل بهدوء للصين واعترافهم بانتصارها سيكون تكلفة مقبولة لتجنب الوقوف لعقود على حافة الهاوية النووية.

ويرى الكاتب أن استيعاب الطموحات الجيوسياسية للشعب الصيني أمر سهل نسبيا، لكن التخفيف من انعدام الأمن الأيديولوجي للنخبة الشيوعية قد يتطلب تغييرات أكثر جذرية في السياسة والمجتمع الأمريكي.

ويسأل وارد القراء إذا كانوا على استعداد للعيش في عالم حيث الصين هي القوة الاقتصادية والعسكرية العليا؟!

ويرى تقرير "فورين بوليسي" أنه سؤال جيد، لكن السؤال الأصعب قد يكون ما إذا كنا على استعداد للعيش في عالم حيث القوة الاقتصادية والعسكرية المهيمنة تخضع لنظام عالمي غير آمن. وقد لا تبقى القيم الأمريكية على قيد الحياة في عالم يرى فيه مالكو هذه القوة (أي الصين) المؤسسات الأمريكية والمجتمع المدني على أنها تهديد مزعزع للاستقرار. ويطلب كتاب "رؤية الصين للنصر" من القراء التفكير في طموحات النخبة الصينية. لكن المجلة ترى أنه لصياغة ذلك وفق سياسة سليمة، سيكون من الحكمة أن نولي نفس القدر من الاهتمام لمخاوف القراء والعالم.

تعليق عبر الفيس بوك