"كورونا" وأسواق العمل: تحديات وفرص

ناصر الحضرمي

كشفت تبعات جائحة "كورونا" على المجتمع والاقتصاد وسوق العمل الكثير من الثغرات والتحديات، ومن الواضح أن الآثار الاقتصادية ستكون مضاعفة لتزامنها مع تدنٍّ حادٍّ في أسعار النفط، وبشكل غير مسبوق، بسبب تباطؤ الإنتاج على مستوى العالم، والذي أدى بدوره إلى انخفاض الطلب العالمي على النفط؛ في ظل وجود تقارير تشير إلى حدوث فائض تاريخي بسوق النفط وتخمة في المعروض؛ الأمر الذي أثر على اقتصاد السلطنة، والتي تشكل إيراداتها النفطية أكثر من 70% من مجمل الإيرادات، حسب إحصائيات 2019م. وعلى الرغم من الإجراءات وبرامج الدعم التي أعلنت عنها اللجنة العليا المكلفة ببحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا (كوفيد 19) لتعزيز قدرة القطاع الخاص على تخطي هذه الأزمة بأقل قدر من الخسائر، إلا أنَّ تباطؤ النمو وعدم إمكانية استمرار النشاط الاقتصادي بذات الوتيرة السابقة، سيُلقي بتبعاته على سوق العمل، من حيث شحّ الوظائف، ومن حيث عمليات التسريح التي ستطال العديد من القطاعات. فقدرة سوق العمل العماني على توليد وظائف جديدة فيما بعد أزمة كورونا ستتأثر بالركود المتحقّق من الأزمة، فلا القطاع الحكومي ولا القطاع الخاص سيكون مهيأً لاستقطاب المزيد من القوى العاملة، مما سيعني زيادةً في أعداد الباحثين عن عمل.

وتشير التقديرات الصادرة عن منظمة العمل الدولية مؤخراً، والتي وصفت فيها أوضاع سوق العمل بـ"الرهيبة"، وأنها الأزمة الأكثر حِدَّة بعد الحرب العالمية الثانية، إلى تأثر 81% من إجمالي القوى العاملة في العالم بالتبعات الاقتصادية للجائحة، أي ما يقارب 2.7 مليار عامل وعاملة. كما تشير إلى انخفاض ساعات العمل بنسبة 10.5 بالمئة خلال الربع الثاني، الحالي، من العام 2020، وهو ما يعادل قوة عمل 305 ملايين عامل بدوام كامل تقريباً، بافتراض 48 ساعة عمل في الأسبوع لكل عامل. إلا أن القطاعات الإنتاجية الأكثر تأثراً ستكون عليها تبعات أكبر فيما يخص التشغيل، كونها توظّف حوالي 38% من إجمالي القوى العاملة العالمية، أي حوالي 1.25 مليار عامل وعاملة. ومن المتوقع أن تواجه أكثر من 436 مليون منشأة في جميع أنحاء العالم مخاطر شديدة بحدوث انقطاعات خطيرة قد تؤدي إلى الإفلاس والإغلاق، وتعمل هذه المنشآت في القطاعات الاقتصادية الأكثر تضرراً، وبينها 232 مليون منشأة تعمل في تجارة الجملة والتجزئة، و111 مليوناً في التصنيع، و51 مليوناً في خدمات الإقامة والطعام، و42 مليوناً في العقارات والأنشطة الأخرى.

... إنَّ التحذيرات التي أطلقتها منظمة العمل الدولية حول فقدان الملايين من العمال في العالم لوظائفهم تنطبق أيضاً على أسواق العمل في الخليج ككل. وبطبيعة الحال، ونتيجة سهولة الاستقدام والترحيل في ذات الوقت، فإن العمالة الأجنبية ستكون أكثر الفئات تضرراً من حيث فقدانها لوظائفها، في حين أن عملية تسريح المواطنين ستتم بوتيرة أبطء، بسبب الدعم المباشر الذي أقرته الحكومات للعاملين في القطاع الخاص. من جانب آخر، أدت الأزمة إلى تسارع عجلة تغير أنماط العمل بشكل كبير؛ حيث دفعت الجائحة القطاعين العام والخاص، على حد سواء إلى التوجّه نحو الأتمتة والتكنولوجيا لتسيير الأعمال اليومية، رغم أن العديد من الجهات الحكومية وغير الحكومية كانت تتحجج بأعذار واهية من قبيل وجود الإجراءات الروتينية البيروقراطية، إلا أنها سرعان ما تأقلمت، وأصبحت تقدم خدماتها تكنولوجياً عن بعد، وبساعات عمل مرنة. ومن المؤكد أن مرحلة التغيير هذه ستمر ببعض الأخطاء والتخبطات، ولكنها مرحلة لا بد أن تمر بها أي مؤسسة ترغب في تطوير أنظمتها وبرامجها لمواكبة العصر. فقد حددت منظمة العمل الدولية في تقريرها: "العمل من أجل مستقبل أكثر إشراقاً" المتغيرات التي ستشهدها أسواق العمل في المستقبل القريب بفعل التقنية والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، وأوضحت أن المهارات المطلوبة لأسواق عمل المستقبل ستختلف عما هو سائد اليوم. فالكثير من الوظائف ستختفي وستحلّ مكانها وظائف أخرى تعتمد بصورة مباشرة أو غير مباشرة على التكنولوجيات ووسائل التقنية الحديثة. إلا أن هذا التحوّل في ذات الوقت سيفرض عدة تحدّيات يتطلب التفكير فيها منذ الآن من قبل المشرّعين والمعنيين برسم سياسات سوق العمل، فهناك العديد من التحديات، ومن بينها: إعادة هيكلة أسواق العمل، وكيفية تنظيم علاقات العمل من الجانبين القانوني والإجرائي.

تعليق عبر الفيس بوك