تأثيرات التواصل الاجتماعي

 

 

محمد مسلم هبيس

أسهمتْ العولمة بدور فعَّال في توسيع نطاق التواصل بين الأمم والشعوب، وجعلت سكان الكوكب يعيشون كالقرية الصغيرة، عندما تم اكتشاف شبكات الاتصالات في بدايات القرن الماضي، والتطور السريع والملحوظ في تطبيقات الهواتف الذكية والبرمجيات، إيذانا بثورة معلوماتية وتقنية واسعة في هذا العصر، انتقلت معها البشرية إلى العالم الافتراضي الذي لا مدى ولا حدود له. فتسارعت شركات تصنيع الهواتف لتطوير وتحسين هواتفها والتطبيقات لتلبي متطلبات السوق واحتياجات المستخدمين، وتقديم العروض المغرية التى دفعت المجتمعات لاقتنائها بشراهة حتى بات من السهل جدا اقتناء الهواتف الذكية في هذه الأيام، فأصبحت بمثابة رمز وعلامة تدل على التطور والتحضر أو مواكبة العصر.

وأصبحت هذه أداة في متناول كافة فئات المجتمع، حتى صغار السن قد وضعوا أناملهم الناعمة على تلك الأداة الحادة، دون علم أو سابق تنبيه عن خطورتها وخطورة ما يجري من حولهم بما يحتويه هذا العالم المظلم والمخيف، فهي تبدو للمستخدم كأنها نافذة صغيرة، ولكن قد لايدرك المستخدم خطورة هذه المعضلة عندما يساء استخدامها، كزيارة المواقع المخلة بالآداب والأعراف الدينية ونهج المتعارف عليه في مجتمعاتنا المحافظة، إضافة إلى أنها بوابة لنشر أيديولوجيات فكرية تستهدف المراهقين من الأبناء عبر تلك المنصات لترغِّب لهم الإرهاب والعنف الجسدي والتنمُّر...وغيرها، وهي مساحة واسعة تستوعب نشر الشائعة والأخبار المفركة، لكن للأسف باتت من ضروريات الحياة اليومية لما تشكله من أهمية قصوى في تحسين حياتنا اليومية، فلعبت برامج التواصل الاجتماعي والهواتف دورا مهما في ترابط المجتمع الدولي والعالمي، وقربت البعيد، وسهلت وصول البضائع والسلع عبر الأسواق الإلكترونية، كما أنَّ أحد جوانبها المضيئة تعزيز التبادل التجاري ودعم التجار المحليين، وإطلاعهم على الأسواق العالمية، كما استفاد منها الكثير من رواد الأعمال في تسويق بضائعهم وعرض منتجاتهم عبر تلك البوابات الرقمية لتكون متجرا إلكترونيا متنقلا.

كما نقلت بعض الجامعات والكليات برامجها الأكاديمية وخطتها الجامعية إلى ذلك العالم الافتراضي لتواكب الحداثة والعولمة، فقدمت المواقع الإلكترونية مناهج دراسية متكاملة ودراسات عليا متاحة للجميع عبر تلك المنصات التعليمية... وغيرها من البرامج التعليمية والدورات التدريبية المفتوحة عن بُعد، التي أسهمت في نشر العلم والمعرفة ليكون كل ذلك بين يدي المستخدم، كما أتاحت التطبيقات الذكية والمواقع الإلكترونية الفرصة لتحسين وتسهيل منهجية العمل؛ حيث استعانت بها الجهات الحكومية والقطاع الخاص اليوم لتقديم أجود الخدمات للمراجعين من مواطنين ومقيمين لما يميزها من سهولة ويسر.

كما أصبح من السهل جدًّا في الآونة الاخيرة التواصل مع العالم والوصول لأقصى بقاع الأرض، والتحدث مع من ترغب بالصوت والصورة، فنجد برنامج الزووم وبرنامج الإيمو الذي يستخدم للتواصل؛ حيث يمكن المستخدم من التواصل مع من يريد ويحدث معه بالصوت والصورة. وغيرها من تطبيقات التواصل الاجتماعي كالواتساب وفيسبوك وإنستجرام وتويتر، والتى يتم فيها التواصل عبر الكتابة والمحادثات الصوتية وغيرها من البرامج التى فتحت المجال أمام المثقفين والفنانين لعرض مدوناتهم وأعمالهم الفنية ليطلع عليها العالم عبر تلك البرامج.

وبات اليوم من اليسير للغاية تقديم محتوى أو مادة إعلامية من شخص إعلامي مثقف أو جاهل ساذج، ونشرها لشريحة واسعة من المتابعين، ليجد كل منهما أذانا صاغية، فأصبح الهاتف الذكي كالمؤسسات الإعلامية المتنقلة، يحملها المستخدم في أي وقت ومكان، لما يميزها من حجمها الصغير، وقدرتها العجيبة والفائقة على التصوير والتسجيل والتخزين وحتى التواصل والنشر. ولكن للأسف وصلت هذه البرامج إلى بعض الأيادي العابثة التي لا تقدر ولا تحترم هذا العالم، فظهر في الآونة الأخيرة بعض المهرجين الذين يطلق عليهم بـ"مشاهير السوشيال ميديا"، أو الناشطين الاجتماعيين، عبر هذه القنوات المرئية ليقدموا محتوى مخلًّا بالأدب، ومسيئًا للرأي العام، لا يتوافق مع مُعتقداتنا وعاداتنا المتعارف عليها، ولكن للأسف نحن سبب دعمهم، بتمهيد الطريق لهم، وتشجيعهم على المضي قُدما نحو الهاوية، بدلا من نصحهم وتوجيههم ومن باب الحرص الأخوي والمسؤولية المجتمعية، فيجب علينا أن نحثهم ومصارحتهم لتعديل محتواهم الإعلامي، وتقديم ما هو نافع ومفيد يرقى بهم ويمثلنا ويعكس عنا صورة زاهية كمجتمع واعٍ ومثقف أمام شعوب المنطقة والعالم. وكذلك يجب على الجهات المعنية التعامل معهم ومتابعتهم وتوجيههم نحو المسار الصحيح، بعمل برامج تدريبية لهم، واحتضانهم في حاضنات هادفة تمكِّنهم من عمل محتوى هادف يمثلنا ويمثل هُويتنا كمجتمع عُمان المحافظ على القيم والعادات الرائدة.

وفي الشق الآخر، نجد نماذج مميزة وراقية من سفراء السوشيال ميديا، ممن نفتخر بهم وبمحتواهم الهادف ذي الرسائل النبيلة التي تُعرض على الجمهور والمتابعين.. ونتمنى من الجميع أن يقتدوا بهم.

تعليق عبر الفيس بوك