مُعتقدات

 

 

فاطمة عبدالله خليل

الحديث عن الأنظمة الفكرية لا ينتهي، وتأثيرها على صناعة واقعنا عظيم جدًّا، وفي فترة من الفترات لعلك لاحظت أنَّ سيناريوهات حياتك تتكرَّر باختلاف الشخوص والأمكنة والمواقف، ولكن النتيجة واحدة.. يحدث أن أحدهم يحاول عشرات المرات لفتح مشروعات تجارية ويفشل في كل مرة رغم أنه اتَّخذ كل أسباب النجاح، ويحدث أن لا يوفق الطالب في امتحاناته، ويجدها صعبة دائماً رغم بذله لكثير من الجهد في الدراسة وتحصيل العلم، ويحدث أن يتكرر سيناريو خسارتك للأصدقاء رغم حرصك عليهم واهتمامك البالغ بهم، يحدث أن تضيق بك الحياة مراراً وتكراراً، وتواجه تعثرات مالية رغم أنَّ دخلك معقول، وكان من الأجدى أن يجنبك العوز والحاجة اللتين تمر بهما في كل مرة رغم تخطيطك وإدارتك المنطقية للمال.

كلُّ ذلك قد يعُود ليس لسوء إدارتك للأمور، ولا لتقصيرك أو تهاونك تجاه المهمات والمشاريع، بل جرَّاء ما تحمله من معتقدات فكرية تقف حاجزاً بينك وبين وفرة الأشياء في الكون، ولو دققت في تلك المعتقدات لوجدتها تحمل تعارضاً كبيراً مع مبدأ حسن الظن بالله؛ فعندما تغلق في وجهك أبواب تظلم الدنيا في عينيك متناسياً أن الله الفتاح الواسع، وعندما تصاب -لا قدرالله- بمرض -وهو نتيجة معتقد أيضاً- تنسى أنَّ الله الشافي البارئ، وعندما تسعى لكسب رزقك تعول على البشر في تذليل العقبات وإيجاد الواسطات ولا تلتجئ للرزاق الغني ذي الفضل العظيم.

وحُسن الظن بالله لا يقوم على ما نتلفظه من أقوال وحسب، بل يمس قناعاتنا وإيماننا من العمق، ولعلنا لو راجعنا كثيرًا من مُعتقداتنا تجاه الأمور كالمال والزواج والإنجاب والعمل والتحصيل العلمي والعلاقات الاجتماعية ومشاعر الحب وحالة الهدوء والسلام والسكينة... وغيرها من الأمور التي نبحث عنها في الحياة، لوجدت أنَّ ما تتعثر فيه إنما يعود لما لديك من معتقدات سلبية تحملها تجاه تلك الأمور، والتي تجعلك محصوراً في الندرة.

والحديث عن المعتقدات مسألة غاية في الأهمية، لكنه في ذات الوقت قد يكون صعباً بالنسبة لمن لم يختبر البحث عن معتقداته في الداخل، ولعلنا نجد أننا نحمل من المعتقدات ما يخالف أقوالنا وأحاديثنا في المجتمع مُتزينين بثوب الرزانة أو الثبات أو المجاملة في كثير من الأحيان.  نقول الله كريم، ونحن في العمق نتوقع أن الخير لن يأتي أبداً، ونقول الله المستعان، ونحن في حالة من الخيبة والضيق ونكاد نكون متيقنين أن تلك مسألة لا حل لها.

بالمختصر.. مُعتقداتنا تقود حياتنا، وتُعِيد سيناريوهات سلبية فيها إذا لم نخضعها للمراجعة، نحتاج لاكتشاف مُعتقداتنا تجاه الأشياء، ومن ثم تصويبها لضمان أن نأتي الله بقلب سليم، فيؤتينا سؤلنا وهو الكريم ذو الفضل العظيم.

 

* كاتبة بحرينية

تعليق عبر الفيس بوك