كورنويات (2)

 

حروف على عتبات الحجر

خالد حسن الطويل

يبدو لنا منذ الوهلة الأولى لهذا الخطب أننا مكبلون وأصبحنا نعيش في فقاعة وقاية قد تفجرها أي عطسة عابرة، أو كأننا في سجن نسي سجانه المفاتيح في أحد الكنوز الضائعة، وننسج في وهم الخيال حكاية بأنّ كوفيد سوف يهاجمنا لا محالة وأن أعمارنا بدأت تنضب ونرسم السيناريوهات القاتمة معززة بصور من جثث الموتى وطريقة الدفن في الدول الأخرى والتفكير في القيود التي فرضت.

نتلقف هذه الإشاعة لنرمي الأخرى، ويمر اليوم ونحن نكتسي حلة سلبية قاتمة نسجناها في الخيال. وكم نود لو أننا نهرب إلى كهف لننام فيه حتى تشرق شمس العافية مرة أخرى.

ولكي نقرأ كل تفاصيل الحكاية يجب علينا أن نجلس مع أنفسنا لنرسم خطا نسير عليه حتى تنقشع الغمة فالبكاء على جدران المصيبة يبلل جدرانها بالدموع دون أن يصنع لنا الحل.

يجب أن نتعاطى مع الوضع بسرد الأحداث بسطحية ونحن نفتش في تفاصيلها عن بادرة علاج قد يلوح في الأفق وفي كنف الحكاية تبدأ حياة أخرى نكتب عنوانها على جدران قفص لا يجب أن نخرج منه حتى إشعار آخر، وفي وسط هذه المعمعة نقف لنلتفت حولنا ونبدأ رسم ملامح أيامنا القادمة من خلال الجلوس مع أنفسنا ومحاورة أرواحنا بشيء من الإيجابية حتى تمر الأزمة ونكسب الرهان دون خسائر على المستوى الجسدي أو النفسي ولنا هنا وقفات:

أولا: نحن على خطأ إن كنا رسمنا ملامح يومنا في الحجر كطريق من السرير إلى المائدة ولم نستطع أن نخلق عالما واقعيا ملموسا يطرز جوانب هذا اليوم بالفرح والسعادة والمعرفة.

ثانيا: العالم المفروض علينا أن نعيشه اليوم نحن من يحدد ملامحه ويرسم أطره ويكتب تفاصيله إمّا أن يكون واسعا رحبا برحابة أرواحنا وآفاقا بحجم رؤانا وأحلامنا وإما ضيقا متحجر إذا ما ضيقنا زوايا رؤيتنا.

ثالثا: الخيارت عديدة ومتنوعة؛ والكيّس من أدرك ذوبان سويعات يومه من بين أصابعه وراح يرتب مفرداته وينظم التفاصيل التي تمر بها الدقائق ليتمكن من صنع واقع جميل يماثل اتساع الأفق الماكث خارج عتبة الباب.

رابعا: إنّ ما نمر به هذه الأيام هي فرصة عظيمة وهبها الله لنا لإعادة ترتيب حياتنا، لتنظيم أدراجنا وننفض الغبار عن بعض ما نحمله في دواخلنا، ونمزق أشياء كثيرة لم يعد العمر بحاجة إليها؛ فالحياة بحاجة إلى مثل هكذا وقفات ونحمد الله أنّها أتت كرها.

خامسا: في كل الزويا هناك أمل ومتسع وشرفات نطل منها على هذا الكون الواسع الجميل فلماذا نحبس أنفسنا في زاوية مظلمة اسمها كوفيد نرى العالم من خلالها فقط ونكرس جل يومنا له.

سادسا: التوتر لا يجلب إلا إخوته ولا يترك سوى بصمات ملوثة على اليوم والشخصية كما أنّ التريث والسكينة واستغلال الأوقات عقيدة كل فطن، والنائبات بحاجة إلى رباطة الجأش لكي نسمح لعقلنا أن يفكر بهدوء ويسبح في سماء الابداع لتأتي إليه الأفكار النيرة زرافات وفرادا.

سابعا: حينما نعد خسائر الحجر يجب علينا أيضا أن نحصي مكتسباته وهل نحن فعلا أمة تحسن استغلال الأوقات؟ أم أننا أمضيناه بين لعب ولعب ولم ندرك أنه من أيام العمر؟ فالقطار يتحرك ونحن من علينا أن نتسابق لقطف ثمار الوقت.

ثامنا: الاتكاء على الحائط وانتظار مقترحات الآخرين وتجاربهم لتطبيقها وسيلة العاجز، فكل منا يملك مخيلة وعقل ويستطيع أن يرسم له ولأسرته خارطة طريق يخرج منها بأكبر قدر من الفائدة وفق الإمكانيات والقدرات.

تلك الوقفات ومثيلاتها ما يجب أن ندركه وإنّ أعملنا عقولنا فسوف ندرك بأننا أمام نعمة يجب استغلاها فلا أعمال ولا خروج ودوامة الحياة متوقفة ووتيرتها هادئة وكل الظروف مهيأة لنا لتطوير أنفسنا والأخذ بيد أسرنا نحو تخطيط أمثل لما بعد الأزمة.

تعليق عبر الفيس بوك