أنيسة الهوتية
الإنسان مخلوق مؤثر ومتأثر بذات الوقت وأغلب أفكاره وأحاديثه منقولة مما يرى ويسمع، والاختلاف في أداة النقل هو القالب المستخدم في تغيير الشكل وليس المضمون، والمستمعون كما لو أنهم يأكلون كيكة فانيليا بنفس النكهة ولكن بأشكال مختلفة باختلاف قوالبها!
ومن النادر جداً أن نرى شخصاً يتفكر ويفكر ويحلل ويلتمس الصح من الخطأ في المواضيع المطروحة هنا وهناك، ولا يرضى لنفسه أن يكون أداة ناقلة لأفكار غيره خاصة إذا كانت تلك الأفكار غير مفيدة للإنسان كفرد وللمجتمع بالعموم، ومسألة نقل وتناقل الأفكار دائما تشتعل فيها المفرقعات أي سفاسف الأمور كما نقول "نار ليفة"، ويبقى النوع الثقيل في مكانه لا يهتم به إلا ذو عقل ثقيل من معياره، مثلما قال المثل "الطيور على أشكالها تقع" وللأسف هناك طيور مميزة معرضة للانقراض، وأنواع غير مفيدة متكاثرة وهذا ما نعايشه بين المشاهير، المدونين، الفاشينيستات، البلوغرز، وغيرهم الكثير من مستخدمي السوشيال ميديا المروجين لأنفسهم وبضاعاتهم وللشركات التي يحصلون منها على نسب مادية من خلال استخدام كودات خاصة يسترزقون منها، وهنا نجد أن هؤلاء يلتهمون عقول أبنائنا المراهقين فأصبح أغلبهم يرون أن حياتهم مملة وكئيبة، ليس فيها من المتعة شيء؛ لأن المتعة كلها في نظرهم هي تلك الحياة لذلك الشخص الذي يتابعونه في حساباته الإلكترونية دون إدراك أنّ هؤلاء الأشخاص لا يعيشون حياة تتميز بالخصوصية، وأيامهم ليست هادئة ومريحة بل إنهم مُقولبون من قِبل آخرين، وتفاصيل حياتهم مثل فصول الكتاب غير المفيد والمفتوح على العالم بلا تشويق ولا غموض، وسعادتهم منحصرة في شاشة تلفوناتهم وبحجمها، وأكثر إنجاز لهم هو الحصول على إعجابات المعجبين! وللأسف الأجيال الحالية مخدوعة بهم وتتمنى أن تكون مثلهم؛ وهذا في وجهة نظري داء علينا أن نجد له دواء لحماية أبنائنا منه، لأنهم في سنهم وعقلهم الصغير الذي يحسبونه أكبر من عقول أعقل الناس لايتأثرون إلا بالمبهرجين والمُسوقين ولحبهم "للخفايف" فهم لا يتأثرون بالشخصيات العلمية، والثقافية، والحكماء، وإن كانت لهم حسابات نشيطة في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي.
ومن أسوأ الأمثلة الصادمة على ذلك حين أخبرتني صديقة مقربة أنّها تعاني مع أختها الصغيرة التي رغم ذكائها وأنّها كانت من الأوائل في المدرسة إلا أنّها باتت ترفض الاجتهاد في الدراسة وقالت بفم ملآن: "لماذا أدرس وأتعب عقلي ونفسيتي لأجل نسبة ودخول جامعة وفي النهاية أجلس سنين ما أحصل وظيفة أعيش منها، أحسن أستخدم جمالي إللي رزقني إيّاه ربي وأكون فاشينيستا وأحصل كل شيء لا وبعد يمكن حد مليونير يعجب فيني من حسابي ويتزوجني وارتاح"..
وطبعا ليست هي الوحيدة المتأثرة بالعوالم الكاذبة تلك، وهناك الكثييير غيرها.. وهؤلاء الكثيييرون هم الأجيال القادمة لقيادة دفة سفينة الوطن، والأمة، والباقون لحماية التراث الاصيل! وبفقدهم سنفقد تاريخاً عظيماً ملهما بناه جبابرة وعظماء.
واللوم الأساسي ينحط علينا لأننا نحن الجمهور الذي سلم أكتافه ليرتقي عليه هؤلاء المروجون وحفزناهم وساعدناهم للبقاء في تلك القمم الوهمية التي ستدمر أفكار أبنائنا ومستقبلهم.
الغرب أصبح يهاجم هذه العادات في مجتمعاتهم حتى يحموا أبناءهم، وقامت مجموعة من أولياء الأمور بتجربة فتح حسابات وكان تتبع أكبر عدد من المتابعين لتلك الحسابات بالتدريج:
الحسابات اللاأخلاقية بالملايين
الحسابات التافهة بالملايين
الحسابات الترفيهية والموضة بمئات الألاف
ويكاد يصل للألف الحسابات الاخرى مثل، العلمية، الثقافية، الاجتماعية، الطبخ... إلخ
وأكبر نسبة من مرتادي تلك الحسابات هم المراهقون والشباب الذين هم عماد المستقبل!
ولإصلاح المستقبل علينا إصلاح أفكار وعقليات أبنائنا وتوجيههم بحب.