يوسف بن حمد البلوشي
yousufh@omaninvestgateway.com
www.omaninvestgateway.com
التنمية إذا أردناها فهي سلعة غالية وتتطلب إجراءات وممارسات وتحولات ومعالجات هامة لجميع عناصر الإنتاج التي تعاني من العديد من الاختلالات والتي لا تستقيم أية معادلة تنموية بدونها.
سأبدأ في سلسلة المقالات القادمة تناول عوامل وعناصر ومحددات الإنتاج الأربعة الرئيسية المعروفة المتمثلة في أولاً: رأس المال وما يؤثر عليه من تغيرات اقتصادية منها (أوضاع القطاع المالي والميزانية العامة، الاستثمار المحلي والأجنبي، أنماط الاستهلاك والادخار، سوق مسقط للأوراق المالية، وصناديق الاستثمار الخاصة والعامة، التمويل ودور البنوك في التنمية الاقتصادية وغيره) وثانياً استغلال ما تزخر به الأرض العمانية من موارد وموقع جغرافي متميز حيث درجة استغلال الموارد الطبيعية والبنية التحتية المحلية تقسم إما إلى غير مستغلة أو مستغلة بطريقة خاطئة أو مستغله بشكل جزئي) وثالثاً: سوق العمل متمثلا بالموارد البشرية وثقافة ريادة الأعمال والعمل الحر، والابتكار والمهارة) ورابعاً: منظومة الإدارة الاقتصادية والريادة متمثلة بالمعرفة الشمولية للمتغيرات وقاطرات التنمية والقدرة على ربط مختلف عناصر الإنتاج ونقاط القوة والفرص والموارد المتاحة محليا ودوليا).
ليس بغرض النقد والانتقاص مما تحقق وإنما لحشد الهمم وفتح آفاق جديدة وتغيير القناعات بأننا نستطيع تقديم الأفضل والاستعداد لمعركة اقتصادية حامية الوطيس عنوانها التحفيز والتنشيط والتحول الاقتصادي الشامل التي فرضتها التغيرات المتسارعة على مختلف الأصعدة وتمكنه الإنجازات والجاهزية والموارد التي ينعم بهذا الوطن. ويتفق الجميع معي أننا أمام فرصة مهمة لتحقيق التحول المنشود الذي لن يحدث تلقائيا بدون اتخاذ تدابير مبنية على معرفة عميقة بخصائص ونسيج المجتمع العماني وتكون بعيدة عن الارتباك والهلع السائد. فنحن مجتمع صغير لا يتجاوز تعداده 2.6 مليون نسمة في مختلف الفئات العمرية، وبالتالي مشكلتنا الاقتصادية وقدرتنا على التحول الشامل ممكنة في ضوء المعطيات المتاحة من موارد عظيمة في مختلف القطاعات وجاهزية للبنية الأساسية والموارد البشرية وعلاقات دولية مميزة تمكننا من استجلاب ما ينقصنا من مكونات لخلطة التنمية المحلية كرأس المال والتكنولوجيا والمعرفة والمهارات والأسواق. ولكن يبقى الفيصل قدرتنا على رؤية الفرص وإدارتها وربط نقاط القوة والمقومات وفهم عوامل الإنتاج وتفعيل الأدوار هذا كله لا يتأتى بدون فهم متكامل للأبعاد المختلفة للتنمية.
لا شك أنّ معالجة عناصر الإنتاج والعوامل المؤثرة عليها، يمثل الأرضية الضرورية لزراعة بذور التنمية والمفاصل التي نبدأ من خلالها حركة المسير لتحقيق التحولات الاقتصادية المنشودة والتعامل مع التحديات التي نرزح تحتها سواء كانت اقتصادية أو مالية أو اجتماعية وبما يمكننا من توليد فرص عمل وتوسيع القاعدة الإنتاجية وتعظيم الاستفادة من الجاهزية التي تنعم بها السلطنة في مختلف الأصعدة.
العالم في معركة مع فيروس كورونا ونحن في عمان معنا معركة مزدوجة صحية اقتصادية. التدهور في أسعار النفط له تداعيات كبيرة على قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها، الدين العام في ارتفاع والتصنيف الائتماني في تدني هناك زيادة في أعداد الباحثين عن عمل قدرة الحكومة والقطاع الخاص المحلي على خلق فرص عمل أصبحت محدودة بالطرق التقليدية. وبالتالي وجب علينا الابتكار لتصدي لهذا التحدي الجسيم. وأنا شديد الاقتناع أنّ مستقبل هذا الوطن ومنعته وازدهاره بأيدي أبنائه وأن عمان تمتلك العديد من الحلول والبدائل إلا إنّ تطبيقها يتطلب فكرا جديدا وشغفا ودراية كافية بالأبعاد المختلفة للتنمية ومعالجة الفجوات في عناصر الإنتاج.
ويتفق الجميع معي أنّ عجلة الإنتاج لا تدور تلقائيا بدون محددات وعناصر إنتاج وأدوار واضحة، وأنّ الأزمة الاقتصادية في قلة وضعف وضيق القاعدة الإنتاجية المحلية والوضع على المستوى الكلي، يمثل في الواقع محصلة للعديد من التحديات والتراكمات، وأية معالجات لابد أن تمس جميع عناصر الإنتاج الأربعة فالمكنة الاقتصادية التي تنتج التنمية الشاملة (الاقتصادية والاجتماعية والبيئية) تعمل من خلال حركة عدد من التروس تحتاج إلى فهم عميق للشروط تحقيق التنمية والقدرة على ربط علمي للمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية الكلية. ومن وجهة نظري أنّ التنمية نتاج لتفاعل ثلاثة رباعيات هامة تلك هي أولاً معالجة الاختلالات في عناصر الإنتاج الأربعة المذكورة سابقا. وثانياً من خلال فهم الحسابات الاقتصادية الكلية الأربعة المتمثلة في الميزانية العامة وميزان المدفوعات والحسابات القومية والنقود والبنوك. الأمر الذي سينعكس في وضع سياسات عامة حازمة وقادرة على إطلاق طاقات الأطراف الفاعلة في أية عملية تنموية والمتمثلة في ثالثاً وهم أفراد المجتمع ومؤسسات الأعمال والحكومة والمتعاملين من العالم الخارجي.
وعلى الرغم من أنّ السلطنة حققت قفزات تنموية في مختلف القطاعات إلا أنّ طبيعة وتركيبة واحتياجات المرحلة القادمة تحتم علينا الانتقال إلى أدوات وسياسات جديدة تتماشى معها. وعلى الرغم من إيماننا بأنّ الأدوات والسياسات في الحقبة الماضية أدت دورها بنجاح بات التحول أمر حتمي لعديد من المعطيات التي تناولناها سابقا. وتفرض علينا تلك المعطيات تسريع وتيرة الإنجاز وحرق المراحل وتنادي بأهمية الأخذ بزمام المبادرة من الجميع والبدء باتخاذ إجراءات عملية كل فيما يخصه وعدم إضاعة الفرص والوقت وانتظار الغير ليمد لنا يد المساعدة، ومن وجهة نظري تبقى معالجة اختناقات عناصر الإنتاج في أول الأولويات وأمر ضروري وهو الأصل في خطة المستقبل لتنظيم صفوف الإنتاج والعمل فرياح التغيير الاقتصادي القادمة شديدة فأما أن نقود أو ننقاد.
سياسة الهروب إلى الأمام وسكن تسلم لن تنفعنا. نحن في معركة حقيقية أمام فيروس كورونا ومعركة اقتصادية مع تدهور أسعار النفط والتحول لاقتصاد إنتاجي. ولا يخفى أنّ دول العالم وخاصة النفطية تعيش حالة استنفار وفرق العمل تعمل ليل نهار. الجميع مدرك أننا على مفترق طريق هام وأتمنى ألا نكون مثل الذي يختبئ خلف إصبعه من تحديات اقتصادية بينة في عناصر الإنتاج وأن علاجها لا يتم بشكل منفصل عن باقي المفاصل.
وختاماً.. من يتوقع أننا نستطيع أن نتعامل مع كل التحديات التي تحيط بنا بدون تعب وعرق واجتراح التضحيات ومعالجة اختلالات عناصر الإنتاج فهو مخطئ فلا ولادة للحياة والتنمية بدون صراخ. نراكم في المقال المقبل الذي سنتناول فيه أول عناصر الإنتاج وهو رأس المال ودور القطاع المصرفي.