رحم الله رجل العطاء

 

د. خالد بن علي الخوالدي

Khalid1330@hotmail.com

 

شهر رمضان المبارك شهر العطاء والرحمة والإنسانية في أروع معانيها، وعندما تصدر هذه الرحمة من الإنسان إلى أخيه الإنسان بدون تصوير ورغبة في الشهرة والبروز تكون أروع وأحلى وأجمل وأكثر أثرًا، ومع الهوس المبالغ فيه بتصوير كل تفاصيل حياتنا إلا أنّ هناك فئة ما تزال تعمل وتطبق الحديث الشريف عن المعصوم صلى الله عليه وسلم في السبعة الذين يظلّهم الله بظله يوم القيامة وذكر منهم (ورجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه).

وعندما يذكر هذا الحديث يتبادر إلى الذهن مباشرة صاحب العطاء والجود والسخاء والكرم المغفور له بإذن الله حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد - طيب الله ثراه- الذي كان يعطي بسخاء بعيدًا عن ضجيج الإعلام وصخب وسائل التواصل الاجتماعي، وذهب من هذه الحياة وظهرت عدد من مكارمه وما أنفقت يمينه في عدد من الدول وليس في عمان فقط، فجزاه الله خير الجزاء على ما قدم وسيلاقيه عند الملك الكريم الذي يضاعف العطاء ويجزي المحسنين خير الجزاء.

فجلالته غفر الله له قدّم الكثير لهذه الإنسانية وفي مختلف المجالات الدينية والدنيوية فتارة يتكفل بتكاليف حملة العلم وتارة ببناء المساجد وتارة بناء المكتبات والمدارس وغيرها الكثير، ويكفيه شرفا ومثوبة عند الله أنّ مساجده على طول البلاد وحسب ما كنت أسمع أنّه كان ينوي أن يكون له جامع في كل ولاية من ولايات السلطنة، اللهم أغفر له وأرحمه.

وفي عماننا الغالية هناك مواقف مشرفة وتدعو إلى الفخر والاعتزاز تعمل على نفس المسار ولسنوات عديدة فبالأمس كان يتداول عن فاعل خير يتكفل وللعام الرابع على التوالي بإغلاق جميع الملفات لدى محاكم محافظة الظاهرة والمنطبقة عليهم شروط مبادرة فك كربة الإنسانية والبالغ عدد (28) ملفاً وقد تم الإفراج عن المحبوسين وإلغاء أوامر الحبس لمن صدرت عليهم أحكام بالحبس، ومن تقدم بهذا السخاء طلب عدم ذكر اسمه طوال السنوات الأربع، فكم من الأجر والثواب لمن قام بهذا العمل! وكم هي السعادة والفرحة لدى الأطفال الذين احتضنوا آباءهم وأمهاتهم وهم يخرجون من السجن! فشكرا من القلب لمن يقدم لهذه الإنسانية ولو أمر بسيط فكما قال الرسول صلى عليه وسلم (في كل كبد رطبة أجر) والحديث قيل في رجل سقى كلب فكيف لو كان إنسان؟

وبعيد عن عالمنا العماني والشيء بالشيء يذكر تابعت في وسائل التواصل الاجتماعي كما تابع غيري ردود الأفعال الإيجابية على برنامج (قلبي اطمأن) والذي يقدمه شخص منذ ثلاث سنوات تقريبا دون أن تظهر ملامحه ولا أحد يعرف شخصيته إلا أنّه أدخل السعادة في قلوب الكثيرين من الفقراء والمساكين والأيتام والمحتاجين وحقق أحلامهم التي لم يحلموا بها، مقدما مساعدات كبيرة تقدر بالملايين، وبغض النظر عن الجهة التي تقف وراءه والداعمة له إلا أنّه يذرف الدموع بالمشاهد المبكية لمحتاجين ومحرومين لم يصدقوا أن تتيسر أمورهم، وكأنّ لسان حالهم يقول إنّه لا يزال الخير في قلوب الخيرين وأن الله سبحانه وتعالى يمكن أن يرسل لهم من يخلصهم من المعاناة التي هم فيها.

وحقق الجزء الأول والثاني من البرنامج خلال الأعوام الماضية نجاحا كبيرا ومتابعة عالية وإعجابا منقطع النظير، وهي مبادرة جميلة ورائعة حتى لو عاب عدد من المتابعين عليهم أظهار الفقراء والمساكين والأيتام إلا أنّه أفضل من العديد من البرامج الباحثة عن الشهرة وتدفع الملايين في أمور تافهة كبرنامج (رامز) الذي يعمل مقالب ربما تكون مدفوعة الثمن.

الخير موجود في القلوب الصادقة والقريبة من الله سبحانه، وعمان الغالية بها أمثلة كثيرة على من يقدم بسخاء وكرم لوجه الله دون أن يظهر اسمه في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي ودون بهرجة، ماضون خلف النهج السامي للمغفور له بإذن الله صاحب الجلالة السلطان قابوس الذي يمثل مدرسة عمانية قلّ نظيرها ونتعلم منها في كل مناحي الحياة، ودمتم ودامت عمان بخير.