زمن تمكين كفاءاتنا الوطنية

 

 

تفكيرنا السياسي ينبغي ألا يغرق في لحظة تداعيات "كورونا" ولا ضغوطات الأزمة المالية ولا العجز المالي.. فهى كلها قضايا مؤقتة!

 

د. عبدالله باحجاج

 

هل تتوفر لدينا قاعدة معلومات كافية وكاملة عن الكفاءات الوطنية في بلادنا؟ من المؤكد أن الإجابة ستكون بالنفي، ما عدا القليل التي تظهر فوق السطح رغم حالة الإقصاء والتهميش التي تعرضت لها طوال العقود الماضية، فعندنا مشكلة كبرى لابد من الاعتراف بها أولا، وهي أن الكفاءات لا تصل إلى مواقعها المفترضة، ولا توظف لمصلحة البلاد، ويرمى بها في مسميات فضفاضة دون محتوى أو تتجاهل رغم لمعان بريقها.

ذكرنا في مقالات أخيرة، ونجدد ما ذكرناه، ونقول إن تفكيرنا السياسي ينبغي ألا يغرق في لحظة تداعيات كورونا ولا ضغوطات الأزمة المالية ولا العجز المالي، فهى كلها قضايا مؤقتة، وستنحل بعضها قريبا كالنفط وكورونا، والأخرى مع تحولات الدولة المقبلة، كعجز الموازنة السنوي، وبالتالي لا يستوجب اتخاذ سياسات مالية واقتصادية قد تمس ثوابت أصيلة، كالتوازنات الاجتماعية القائمة الآن على حسابات دقيقة وحساسة جدا، وذلك حتى لا نؤسس وقائع دائمة في مرحلة مؤقتة قد تضرب تأسيس بنياتنا الجديدة.

وهذا يعني، أنه ينبغي أن نستمر في تفكيرنا الاستراتيجي للعهد السياسي الجديد لنقل البلاد لمواجهة كامل التحديات وفق منظور ما وعد به زعيم عهدنا الجديد جلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه- في خطاب العرش بأنه سينقل البلاد إلى مستويات طموحات وآمال المواطنين، وهذه كبرى الغايات السامية للعهد الجديد، وكل مواطن يترقبها بتفاؤل كبير، من هنا، ينبغي ألا تحل القضايا المؤقتة بسياسات دائمة لها تأثيرات اجتماعية مؤلمة، وتداعياتها على الأمن الاجتماعي خطيرة، لذلك ستظل الضغوطات الراهنة مهما كانت حديتها ضمن التحديات التي تزيدنا قناعة ورسوخا على تبني نظام عملي جديد للنهوض باقتصادنا الوطني؟

وهناك فعلا تصورات جاهزة قد نتناولها في مقال مقبل، لكن الأهم الآن التركيز على مبدأ الكفاءات الوطنية التي سيقع على عاتقها صناعة مستقبلنا الجديد من جهة وتحمل مسؤولية صناعة اقتصاد وطني يستوعب المواطن العماني وهو في محافظته في تكاملية مع اقتصاديات المحافظات وفق مرجعية وطنية ثابتة وحاكمة، وهذه مرحلة الكفاءات الوطنية، ونراها من منظورين أساسيين؛ الأول: تأسيس قاعدة معلومات "بنك" عن الكفاءات الشابة الواعدة في كل المجالات من الجامعات والمدارس، والاستثمار الحقيقي فيها بصورة مختلفة عن النماذج التي تتبناها جهات حكومية منذ عدة سنوات، فقد أثبتت فشلها.

وبنك المعلومات، والاستثمار البشري فيه، تتوفر له كامل عوامل النجاح بعد أن فرض المبدعين من شبابنا في أزمة كورزنا أنفسهم، وأنجزوا لبلادهم الكثير من الإنجازات العلمية في مجال الابتكار الطبي.. وهذا ليس مفاجأة لنا أبدا، فمن يتأمل في مشاهير أطبائنا في مختلف التخصصات الطبية، لن يدهشه بروز الجانب الابتكاري لشبابنا من رحم الأزمة، خاصة وأنهم أحفاد علماء ساهموا في صناعة الحضارة الإنسانية العالمية، لذلك فإنّ التطلعات تذهب الآن أن يكون عهد جلالة السلطان هيثم -حفظه الله ورعاه- انطلاقة العلماء العمانيين الجدد في شتى المجالات.

والثاني: تغليب مبدأ الكفاءة الوطنية المتخصصة في اختيار النخب الجديدة، وتمكينها من مسؤولية تنفيذ التحولات الشمولية الجديدة وكذلك مراقبة ومساءلة المسارات أولا بأول، بشفافية عالية المستوى والتخصص المهني، لذلك، فأهم خطوة منتظرة، اختيار هذه الكفاءات بمواصفات محددة تحظى بالرضا الوطني والارتياح الاجتماعي، فلدينا الآن مثل هذه الكفاءات الجدد التي تتمتع بتأهيل علمي وخبرات وكفاءة مشهود لها، ينبغي أن تشرف على تنفيذ ملفات عاجلة تعاضد الكفاءات التي أثبتت جدارتها، بحيث لا يمكن إسقاط الكل في سلة التقادم الزمني.

ولماذا الرهان على الكفاءات؟ لاعتبارين، الأول داخلي، كون بلادنا في عهدها السياسي الجديد، وهناك ملفات كبيرة تحتم إعادة النظر في مصانع الاستوزار القديمة في ظل التوجّه نحو اللامركزية اقتصادية، والثاني خارجي، لأنّ المرحلة الدولية بعد كورونا ستتجه بقوة نحو الرأسمال المعرفي والحديث الآن عن اقتصاد عالمي جديد، ستصبح المعرفة فيه أغلى من النفط والغاز- كما يؤكد الخبراء- من هنا نراهن على الكفاءات المرتبطة بالمعرفة، فهذه مرحلتها لقيادة القطاعات المختلفة بنفسها لتحقيق النجاح الداخلي لبلادنا مواكبة للكونية.

وحتمية الكفاءات لا تقتصر على المناصب العليا بل تشمل كذلك النخب التي تخرج من صناديق الاقتراع الحرة، فالمرحلة المقبلة مختلفة تماما، أنّها مرحلة اللامركزية الاقتصادية ومرحلة المعرفة والتقنية، وبالتالي، فإنّه ينبغي تفكيك مصانع الاستوزار التقليدية، وتوديع عصر الأفكار القديمة التي يتعصب فيها الفرد والجماعة على أسماء دون الكفاءات، وكل من يتمسك بالماضي، فهو لم يستوعب المرحلة الجديدة، فكفانا مرحلة النخب كان البعض منها يديرها من وراء المشهد مستشارين وخبراء أجانب.. فعطلت التطورات، وجمدت الأوضاع حتى تظل باقية في مناصبها كمستشارة وخبيرة، إننا نراها اليوم من الماضي، لكن متى سنودعها؟