ترجمة- رنا عبدالحكيم
في كتابه الموصوف بـ"الثوري"، والمعنون "بيداغوجيا المقهورين" (بالبرتغالية: Pedagogia do Oprimido)، ينتقد المعلم البرازيلي باولو فريري طرق التعليم التقليدية القائمة على التلقين والاسترجاع والتي يسميها بنظام "التعليم البنكي"؛ إذ أنّه يعامل الطالب كوعاء فارغ يُملأ بالمعرفة تماماً كحصّالة النقود أو خزينة الأموال، بينما يرى الكاتب أنّ أصول التربية يجب أن تعتمد على معالجة الطالب كمشارك متفاعِل مع المعرفة.
ونشر الكتاب عام 1968 بالبرتغالية وترجمته مايرا راموس إلى الإنجليزية في طبعة سنة 1970، واعتبر هذا الكتاب من النصوص المؤسسة لعلم أصول التربية النقدي، كما تُرجم إلى العربية على يد الدكتور يوسف نور عوض، ونشرته دار القلم في بيروت سنة 1980. ووفقًا لدراسة أجريت على 16 مدرسة تعليمية عليا في الولايات المتحدة، كان هذا الكتاب أحد النصوص الأكثر تكرارًا في فلسفتهم في دورات التعليم.
واعتماداً على عمله في تعليم الناشئين البرازيليين القراءة والكتابة؛ درس الكاتب العلاقة بين طرفي الاستعمار (المستعمِر والمستعمَر) معتمداً على تحليلات صفية ماركسية مفصّلة.
وتبنى فريري أسلوبا كتابيا على أساس الإيمان بإمكانية التحول الشخصي والسياسي. وأكد فريري بشراسة أنّه لا يجب النظر إلى هيكل أو نظام أو مؤسسة قمع، على أنّها عالم مغلق لا يوجد فيه مخرج، ولكن كوضع محدد يمكن أن يتحول "المظلوم" إليه.
ويرى فريري أنّ الوعي النقدي للواقع أمر حتمي للعمل البشري والتحول الاجتماعي. ومع ذلك، شكك فريري في هذا الجانب في أعمال أخرى له، وأكد أن الفهم النقدي للقمع لن ينجح في حد ذاته في تحقيق التحرير؛ بعبارة أخرى، يقول إن الإدراك النقدي لا غنى عنه وغير كاف. ومع ذلك، فإن رسالة فريري للوعي النقدي، بناءً على مفهوم العلاقة الجدلية بين العالم والوعي البشري، وضعت "بيداجوجيا المقهورين" (أو أصول تربية المضطهدين) في جوهر علم التربية التربوي الراديكالي.
وبالتالي، فإن الهدف من علم أصول التدريس من المظلومين يتمثل في استعادة الإنسانية المفقودة وبالتالي تحرير كل من المظلوم والظالم؛ ويقول في الكتاب: "يُضطهد المظلوم، لأنه يقاتل من أجل أن يكون إنسانًا، ويسعى لسلب قوة الظالمين في السيطرة والقمع، لكن في الواقع هم يعيدون إلى الظالمين إنسانيتهم التي فقدوها من كثرة ممارسة الظلم".
ومفهوم الوعي أو الوعي النقدي- لدى فريري- هو أساس علم أصول التدريس في كتابه. وأصبح الوعي النقدي ممكنًا من خلال الممارسة العملية التي يُعرفها فريري على أنها "التفكير والعمل مع العالم من أجل تحوله إلى الأفضل".
ويربط فريري بين التفكير والعمل معًا كجزء من عملية التعرف على التناقضات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وتغييرها. وتكشف مشاركة فريري في حملات محو الأمية خلال حقبة الستينيات من القرن الماضي، عن تصوره للقراءة المصاحبة للكلمة. فلم يقم فريري بتأسيس طريقة فعّالة لمحو الأمية بين الفلاحين في البرازيل، بل أظهر منهجية وفلسفة التعليم التي كانت سياسية بشكل واضح.
وفي حين أنّ علم أصول التدريس لدى فريري يدعو إلى بيئة تعليمية داعمة ومواتية للوعي النقدي، فمن الخطأ افتراض أن هذه هي الساحة الوحيدة التي ينخرط فيها الناس في التفكير النشط في تجربتهم المعيشية. علاوة على ذلك، فإنّ هذا الرأي يفرّق بين المعرفة الشعبية والمعرفة الخارجية لـ"الخبراء"، وبالتالي يقلل من قيمة وجود العديد من أشكال المعرفة المختلفة.
ويرى فريري في كتابه أنّ حصر المعرفة بين فئتين يتحدى صحة وعملية بيئة التعلم والمساواة التي يقترحها. وهذا الاتجاه الاختزالي يستبعد ديناميكيات الاختلاف الاجتماعي، وأهمية أنظمة القيم المختلفة، علاوة على تعقيد الخبرة الشخصية.
ويمكن القول إنّ "بيداغوجيا المقهورين" كتاب قوي يحمل رسالة النقد الراديكالي ذات الصلة بعالم ما بعد الحداثة في التسعينيات وما أعقبها. كما إن إيمان باولو فريري بإمكانية التحول الاجتماعي من خلال عملية الوعي النقدي والعمل، بمثابة رسالة يتعين على الجميع أن يتذكرها، خاصة أولئك الذين يعتبرون العولمة نظامًا لا يمكن الاستغناء عنه.