الأوبئة.. مراحل انتقالها وطرق الوقاية منها

 

 

د. محمود بن ناصر الرحبي

استشاري أول طب الطوارئ

قد يخلط البعض بين مفهومي الوباء والمرض المعدي وإن كان بينها ارتباط من حيث طبيعة المرض وانتقال العدوى ولكن يبقى فيصل الفرق بينها في المساحة بين المرض والوباء  فالمرض عبارة عن اعتلال فردي يصيب جسم الإنسان بمسببات متعددة أما "الوباء" فيكون في حالة انتشار واسعة للمرض نفسه، فعلى سبيل المثال الإيدز مرض يصيب جهاز المناعة في الجسم ولكنّه يتحول إلى وباء حين ينتشر بصورة كبيرة بين الناس، ويمكن اختصار ذلك بالقول أنّ الوباء بمفهومه العام هو انتشار مرض ما في منطقة ما وفي زمن محدد بشكل سريع ومفاجئ خاصة إذا لم تكن أسبابه معروفةً.

ومما لا شك فيه أنّ الطب الحديث قد تطور كثيراً في جميع تخصصاته المختلفة من حيث التشخيص والعلاج وحتى طرق الوقاية المبكرة إلا أنّ أعمالنا اليومية وممارساتنا الحياتية باتت تساعد بطرقٍ مباشرة وغير مباشرة في انتشار الأمراض والأوبئة؛ تتمثل في تنقّلاتنا المختلفة يوميّاً خلال العمل، والتواصل الاجتماعي في حيز المجتمع أو عبر السفر لمجتمعاتٍ أخرى، وخلال ساعات محدودة مما قد يتيح المجال لتنقل الأوبئة والأمراض، ويساعدها على التوسع والانتشار، وهذا بحد ذاته يعد تهديداً كبيراً لأي مجتمع، وبرغم أنّ الأرض لم تخل يوما من أوبئة محلية تظهر وتخبو بصفة دورية في بعض المجتمعات؛ إلا أن ما بات مصدر إزعاجٍ وقلق هو هو وجود بعض الأوبئة التي تتميز بانتشارها العالمي (كالسل والإيدز والتهاب الكبد الوبائي) وأكثر من 40مرضا جديدا لم تكن معروفة من قبل خلقتها ظروف الحياة الحديثة، وهذا ما أشارت إليه مؤخراً منظمة الصحة العالمية .

وإن كانت بعض الأوبئة ترجع مسبباتها إلى مصادر بكتيرية إلا أن معظم الدراسات والبحوث المنبثقة من منظّمة الصّحة العالميّة تتفق على أنّ الفيروسات هي المسببة الأولى لمعظم الأوبئة؛ حيث تنتقل من خلال عدّة مراحل يمكن أن يتراوح الإطار الزّمني لها بين عدة أشهر إلى سنوات، وقد تم تقسيم مراحل انتقال الفيروسات إلى ست مراحل رئيسة ففي المرحلة الأولى تنتشر الفيروسات داخل أجسام الحيوانات أو الطيور فقط ولا يكون فيها أي عدوى بشريّة، لتأتي بعدها المرحلة الثانيّة والتي خلالها ينتقل الفيروس الحيوانيّ إلى الإنسان بطرق شتى ويكون البشر أكثر عرضة للإصابة بالفيروس حينها، أما في المرحلة الثالثة فيستمر الفيروس بالانتشار وتنتقل العدوى من شخصٍ إلى آخر في نفس المنطقة الجغرافية.

في حين يتم في المرحلة الرّابعة انتشار الفيروس على نطاق أوسع؛ ففي هذه المرحلة ينتقل الفيروس بين الأفراد ويتفشى في العديد من المناطق وبالتالي زيادة عدد المصابين به، وكلّما ازداد عدد المُصابين بالفيروس ازدادت احتماليّة انتشار الوباء بشكل أكبر وأوسع لينتقل خلاله الوباء بين الأفراد في بلدين على الأقل متقاربين وذلك يحدث في المرحلة الخامسة من انتقال الفيروس، أمّا المرحلة السادسة فتتطلب تدخّل مسؤولي الصّحة والحكومات لوضع التّدابير اللّازمة للحد من انتشار المرض بشكل أوسع والمساعدة على الوقاية منه.

وتشير مجمل الإحصائيات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية إلى أنّ البشرية لطالما كانت ضحيّة للأوبئة التي جعلت عددها محدودا نتيجة الأوبئة التي انتشرت في مناطق متفرقة من العالم، ففي العام 1860 تفشى مرض الطاعون في كل من الهند والصين وهونج كونج ليحصد ما يقارب من 12 مليون إنسان، وفي العام 2009 حصد وباء إنفلونزا الخنازير ما يقارب 575 ألف إنسان في العالم، وخلال الفترة من 2014 إلى 2016 حصد وباء إيبولا ما يقارب 11300 إنسان في غرب إفريقيا، أمّا الأيدز فيعد من الأوبئة التي تؤرق جميع دول العالم حيث حصد منذ العام 1981 وحتى 2016 أكثر من 25 مليون إنسان في العالم، لنصل في العام 2020 بجائحة وباء فيروس كورونا كوفيد 19 والذي انتشر في دول العالم انتشار النار في الهشيم ليحصد ما مجمله أكثر من مليوني إنسان وهو في تزايدٍ وانتشار حتى الآن، وعلى الرغم من التقدم الطبي الهائل في اللقاحات والعقاقير والجراحة والرقابة الصحية والتحكم بالأوبئة إلا إنّ ذلك لم يستطع أن يقضي نهائياً على هجوم الأوبئة وتبقى الوقاية من الأوبئة والأمراض هي الطريقة الأنجع في التصدي لها والتقليل من عواقبها.

ومنذ الصغر ونحن نسمع المثل المشهور (الوقاية خير من العلاج) و (درهم وقاية خير من قنطار علاج) هذا على صعيد الأمثال الشعبية أمّا على الصعيد الطبي فالوقاية يقصد بها أي نشاط يؤدي إلى التقليل والحد من اعتلال الصحة من وباء معين أو الوفاة، حيث توجد العديد من الطرق المضمونة التي يمكن اتباعها للحفاظ على حياة صحيّة خالية من الأمراض وبعيدة عن التعرّض للأوبئة لا قدر الله ويمكن للفرد أن يطبقها في سلوكياته وعاداته، بالإضافة إلى الممارسات الضرورية التي تساعد على منع انتقال الأوبئة، وبإيجاز نستعرض أهم طرق الوقاية الرئيسية والتي تتمثل في: الاهتمام بممارسات الطبخ الآمن من حيث استخدام الماء الساخن والصابون لتنظيف الأواني المستخدمة في الطبخ، وغسل فوط التنظيف باستمرار لتجنّب تراكم البكتيريا عليها، إلى جانب غسل الفواكه والخضار قبل تناولها وفصل ألواح تقطيع المنتجات الطازجة عن ألواح تقطيع اللحوم النيئة ، والاحتفاظ بالطعام داخل الثلاجة، ومن السلوكيات الصحية التي يجب ان يحرص عليها الفرد هي تكرار غسل اليدين بشكلٍ جيّد حيث يمكن للعديد من الأمراض أن تنتقل عن طريق الملابس، والأسطح.

ومن الضروريات أيضاً تغطية الفم عند العطاس والسعال حيث يمكن أن تنتشر بعض الأمراض على شكل قطرات صغيرة جداً قد يصعُب رؤيتها ولكنّها تتناثر في الهواء، وقس على ذلك عدم مشاركة الأدوات الشخصية كفرشاة الأسنان، وشفرات الحلاقة، والمناشف؛ حيث يمكن أن تكون هذه المواد والأدوات مصدراً للعدوى البكتيرية، أو الفيروسية.

كما أنّ من أساسيات الوقاية أخذ اللقاحات اللازمة للأطفال وأخرى للبالغين للوقاية من الإصابة بالعدوى، بالإضافة إلى توفّر لقاحات تُؤخذ في حال السفر لمناطق معيّنة من العالم، وكذلك التعامل مع الحيوانات بحذر وبالأخص المنزلية الأليفة ومراجعة الطبيب البيطري للتأكد من سلامتها وإعطائها المطاعيم الضرورية، بالإضافة إلى ضرورة تنظيف المنطقة الخاصة بها، ومنع الأطفال من الاقتراب لبراز هذه الحيوانات، كما من المهم والضروري الاستماع والالتزام بعناية تامة بكل ما تصدره الجهات الرسمية من تعليمات فالحكومة لا تألو جهدا في عمل كل ما من شأنه الحفاظ على صحة المواطن والمقيم وحماية أرواحهم في ظل العناية السامية من لدن حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه-.

 

تعليق عبر الفيس بوك