كورونا يكسر سراب الوهم!

 

حمد بن سالم العلوي

لقد بدأ الوباء في الصين، ثم في إيران، وبعد ذلك إيطاليا، والعالم يتفرَّج وشامت في نفس الوقت، واشتغل الغرب وبعض سفهائه من أغبياء العرب، وشنُّوا هجمة همجية على الصين وعلى إيران أيضاً، ونعتوا الصين بأفظع النعوت، وصوروا الوباء على إنه بُعث (بأمانيّهم) ليُؤدب الصين، لأنها تأكل الخفافيش، وتقتل المسلمين في بلادها، وإن الله يعاقب إيران كذلك لأنَّ شيعتها لا يسمحون بمساجد خاصة بالمسلمين السنة، وإن لديهم سلوكيات مختلفة عنهم، وأنها- أي إيران- تقتل السنة في العراق وسوريا، لذلك حق عليها "عذاب الله" بناءً على رغبة الغرب وزنادقتهم من العرب وبقية المتأسلمين، أما من جانبهم فهم بريئون من دماء المسلمين في اليمن وسوريا والعراق وليبيا ومصر وفلسطين لأنَّ ذلك غير مؤثم في الغرب.. يا لطيف ألطف.

ولقد اطلعت على مقطع فيديو متداول عبر وسائل الاتصال الاجتماعي، يتحدث فيه زنادقة العالم، بسخرية واستخفاف عن الوباء، فقال من يزعمون أنهم مسلمون "سنة" أنهم أحباء الله فلن يُصيبهم الوباء، وقال مسلمون "شيعة" مثل قولهم، وقال الكهنة إنهم أمروا الوباء بالموت.. ودفنوه، وقال الحاخامات إن الوباء لن يصل إليهم، ولكن عندما انتشر الوباء في أوروبا وبلاد المسلمين، انتشر كانتشار النار في الهشيم، وظهر عدم صدق جميع أولئك المفترين، فلا الذين استبعدوا الوباء عنهم سلموا، والذين قالوا إنِّهم مستعدين لمواجهته صدقوا، فكانت الصين مقدَّر لها أن تكون ضحيته الكبرى، لأنها تفاجأت به، ولكنها نجحت بحُسن إدارتها للأزمة في تجاوز المحنة، وقد خسيء المستهزئون، وكذلك إيران تفاجأت بسرعة انتقال الوباء إليها، ورغم أنَّها تحت الحصار الأمريكي وفلكها، وهو حصار خبيث شديد، إلا أنَّ إيران استطاعت أن تحاصر الوباء، وفي طريقها للسيطرة عليه.

إنَّ الشكر والحمدالله الذي لا يشكر على مكروه سواه، لقد كان العالم قبل وباء كورونا يمور بين الشعور بالقوة المفرطة والغرور الزائف، وبين الشعور بالذل والخذلان والقناعة بأنَّ الآخر هو الأقوى والأفضل منه بلا جدال، فهناك من يظن أنه لا يسيطر ليس على الشأن الداخلي في بلده وحسب، وإنما تمتد سيطرته على سلوكيات المخلوقات حول الكون كله، وفي المُقابل هناك دول وأشخاص يشعرون بالعجز والذل والخذلان، وبعضهم مسؤولون في دولهم عن مصائر البشر، ولكن يسيطر عليهم الوهن بأنهم لا يقدرون على شيء في محيط مسؤولياتهم، ولديهم قناعة تامة بذلك، بأنهم لا يقدرون على تسيير أنفسهم بغض النظر عن تسيير غيرهم، وإنما يريدون من يُسيِّرهم، وإلا سيموتون جوعاً، وبعض هؤلاء من المسؤولين لدينا، فهم من الذين كانت لهم عقيدة بل عقدة راسخة بأن لا لقمة عيش ستصل إلى السلطنة، إذا أغلقت المنافذ البرية، ونفس الشعور كان في الطرف الآخر، فكانوا ينظرون إلينا في عُمان بعين الضعف والازدراء، لكن عُمان المباركة انبرى لها قائد فذ عظيم فاستلم زمام الأمور في يده، وغير الاتجاه إلى المسار الصحيح.

إنَّ عُمان التي توقع لها المترفون الواهمون، أنها ستُهزم أمام الجائحة، وذلك لعدة عوامل كانت تظهر بوضوح في حساباتهم الماكرة والخبيثة، ولكن عُمان تنعم بمكرمات ربانية لم يشأ الآخرون أن يرونها ببصائرهم لأنها غير واعية، فقد قدَّر الله لعُمان قبل خمسين عاماً مضت، بأن هيأ الله لها قائداً فذاً حكيماً استطاع بما وهبه الله من قدرة غير عادية، أن يخرج عُمان من ظلمات الجهل والتخلف إلى نور البصيرة والمعرفة، ومن مجاهل الفقر والعوز إلى مراتب العفاف والكفاف، والرضا بما قسم الله وأعطى، وعندما توفاه إلى رحمته - بإذن الله تعالى - أوصى بأن يتولى الأمانة من بعده الرجل الذي توسم فيه الأمانة والحصافة والرصافة والشجاعة والزعامة، فانتقلت القيادة إلى يد القائد سليل دوح متصل من السلاطين الحكماء، فشعرت عُمان كلها بالاطمئنان والثقة لقيادته الحكيمة، فكانت الرؤية أمامه واضحة، والأهداف محددة وجلية، ففتح التجارة الحرة المباشرة مع دول العالم، وأطلق العنان لعلماء عُمان الأوفياء، فاليوم قبل الغد وفي رحم أزمة عالمية، يقوم العُماني بالتصنيع للضروريات الملحة، وغداً - بإذن لله - ومن ثم بفضل من القيادة الرشيدة الشجاعة، سيكون لعُمان مرجعية تقول "صنع في عُمان" هذا هو العُماني الذي صان المسيرة العُمانية عبر التاريخ.

إنَّ الإنسان العُماني الذي حار فيه القريب قبل البعيد، صنعته الجغرافيا العُمانية، فأدلجته على نحو يتوافق والطبيعة العُمانية وحدها، فقد نظر الإنسان في عُمان إلى الجبال، وهاله صنعها وعلوها، وصعوبة تضاريسها، فتجلت له عظمة الخالق في صنعها، فخشي ربّه ولم يتجبر على غيره من البشر، أو يفسد في الأرض، ونظر إلى البحر والمحيطات اللامتناهية الحدود، فأخذ من اتساعها رحابة الصدر، ومن تتابع أمواجها دائبية الحركة، وأخذ من ثورتها القوة والعنفوان، فهو شبيه بالبحر في هدوئه وبساطته، إن لم يعكر صفوه غدر غادر أو اعتداء جائر، ونظر إلى الصحراء فعلَّمته الصبر، واتساع الأفق، ففي الصحراء الخير رغم ضآلة شجرها، وندرة مائها، فمنحه تجانس الطبيعة هذا، القدرة على التكيف مع الجميع، والكياسة والصبر في التعامل مع جواره من البشر.

هنا تجد الفارق الشاسع بين الإنسان العُماني وغيره، فالإنسان الذي يعيش على نمط واحد من الطبيعة، فإنه إذا ركب على ظهر بعيره مثلاً، رأى نفسه أنه الأعلى من كل شيء، ولربما الفراعنة في مصر مثال حيٌّ على ذلك، فعندما وجد الفرعون نفسه أكبر من كل شيء مستوٍ على الأرض، أصابه الغرور والكِبرياء، فأمر ببناء الأهرامات ليكون ذلك من صنعه هو، فيباهي به الأمم الأخرى، وهكذا يصنع أقوام هذا الزمان، أهراماتهم من مباني ناطحات السحاب والنجوم، وذلك لإبهار الآخرين بمقدرتهم على تطويع الأشياء بأموالهم خدمة لغرورهم.

لذلك نحن في عُمان سنظل نشكر الله على أننا ظللنا متواضعين طاعة لله، وليس خنوعاً لأحد من البشر، وإن الإنسان العُماني كقصب السكر، إن عصرته النوائب ينساب زيجه!! فيتحول إلى حالة أصفى وأنقى، فبإذن لله لن نظمأ أو نجوع على أرض عُمان، فنحن كنَّا أحياءً قبل النفط، وسنظل كذلك - بإذن الله تعالى - بعد النفط، وقد كنَّا نُطعِم ولا نُطعَم، ولقد كنَّا نُحمِي ولا نُحمَى، فاتركوا المتقولين يقولون ما يشاءون، وسنخرج من هذه الأزمة - بإذن الله - أقوى مما كنّا عليه قبلها، وليس محض صدفة أن يكون حصاد القمح في بلادنا هذا العام، أغزر إنتاجاً من الأعوام السابقة، فهو الغيث الرباني الذي لا يأت بتخطيط البشر، وكذلك باقي المحاصيل الأخرى من الخضروات والفواكه، وصيد الأسماك.

ويكفينا فخراً أن حرر تجارتنا قائدنا المفدى، فأصبحنا نميرُ أهلنا كيفما نريد وأينما نذهب ومتى ما نشاء! فنقول للشامتين موتوا بغيظكم، فقد شمتم بالأمس بمن أصابهم الوباء أولاً!! فأين أنتم وأين هم اليوم؟!! لقد بدَّد وباء كورونا وَهْم القوة والقدرة والسيطرة والاستطاعة إلى غير رجعة، فإن الله هو القوي العزيز القادر.

وفق الله عُمان وشعبها الأبيِّ وقائد نهضتها المتجددة جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله وأعزه ونصره وأبقاه- إنه سميع قريب مجيب الدعاء.