المسؤولية الاجتماعية مع "كورونا"

 

د. حامد بن عبدالله البلوشي

** مستشار مسؤولية مجتمعية وتنمية مستدامة

نستطيع أن نُؤكد اليوم ونحن نعيش ظرفاً استثنائياً جراء الجائحة الوبائية لكوفيد 19 أنَّ المسؤولية الاجتماعية لم تعد ترفاً مؤسسياً بل ضرورة ومسؤولية أخلاقية وهو رديف قوي لما تقوم به الدولة من جهود، وأن المؤسسات التي عملت على تأسيس نظام مسؤولية اجتماعية قوي ستحقق الريادة في إبراز دورها في التجاوب مع متطلبات هذه المرحلة الحرجة وسيكون بمقدورها أكثر من غيرها الوقوف مع المجتمع واستشراف مسؤولياتها تجاههم.

وفي هذا السياق، انضمت سلطنة عُمان إلى مثيلاتها من دول العالم في تحفيز الشعور الوطني تجاه المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات والأفراد، وأنشأت صندوقاً وقفياً لدعم الخدمات الصحية، يهدف إلى تحقيق التكافل الاجتماعي وترسيخ مبدأ المسؤولية الاجتماعية وكان جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- أول الداعمين له من خلال تخصيص مبلغ 10 ملايين ريال عماني حوالي 26 مليون دولار أمريكي، ضارباً بذلك المثل الأعلى لإذكاء الروح الوطنية وتحفيز الأفراد والمؤسسات على البذل والعطاء، وهو ما جعل الجميع يسارع إلى التحلي بنفس الروح، فبادر الأفراد والمجتمعات بالمساعدة المالية المباشرة عبر حساب بنكي خصص لهذا الغرض، كما تبرع ملاك المؤسسات الفندقية بتحويل مؤسساتهم إلى مراكز للحجر المؤسسي وتبعتهم الكثير من الشركات بتبرعات سخية العينية منها والمادية.

لقد اتخذت السلطنة العديد من التدابير للحد من آثار هذه الجائحة ومن بينها توفير مخزون احتياطي إضافي من السلع الغذائية الأساسية وإعفاءات ضريبية سياحية وبلدية وتأخير الدفعات المستحقة على تمويل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وإعفاءات من الرسوم أو تخفيضها شملت المؤسسات التجارية والصناعية والشحن والتفريغ ومراعاة إيجارات العقارات والمحلات وغيرها من الإجراءات، كما عملت السلطنة على تدابير موازية في الصحة والتي لم تختلف كثيراً عن التي اتخذتها الدول الأخرى للحد من سرعة تفشي الوباء، لكن الرهان كان كبيرا على تفهم الشعب العماني لتلك الإجراءات والالتزام بها، وقد وفقت السلطنة ولله الحمد حتى الآن، حيث لا تزال تسجل أعدادا أقل من المتوقع من الإصابات.

والمسؤولية الاجتماعية تمثل حائط الصد الأول والذي يفترض أن يكون الأقوى لمواجهة التحديات وقد أثبتت المؤسسات التي بها برامج للمسؤولية الاجتماعية المنظمة قربها من المجتمع ووقوفها معه في الرخاء والشدة وبالتالي فهي دعوة يمكن أن توجه للمؤسسات بالاستفادة من هذه التجربة في جعل المسؤولية الاجتماعية ركناً للعمل المؤسسي وتفعيل جوانب سرعة الاستجابة لمثل هذه الظروف، حيث يدرك الجميع اليوم الجهود التي بذلتها الحكومات ليس في مجال الرعاية الصحية وتخصيص الموارد للحد من تأثيرات هذه الجائحة فحسب بل جملة الحوافز التي طالت مختلف شرائح القطاع الخاص، ولذا فإنَّ القطاع الخاص مطالب هو الآخر بالتحلي بروح المسؤولية تجاه مجتمعه، وعلى صعيد الأفراد فإنَّ الجميع مطالب بدعم جهود الحكومات وتحمل مسؤولياتهم الفردية والاجتماعية والتصرف وفقا لما تقتضيه الظروف ومتابعة المستجدات أولاً بأول من مصادرها الرسمية.

إنَّ أزمة كوفيد 19 تضع المؤسسات أمام مسؤوليات جسام لتسخير مواردها وبرامجها لخدمة ومصلحة الشعوب وتجعل القطاعين الحكومي والخاص بنفس القدر من المسؤولية في الحفاظ على الأوطان والذود عنها.

تعليق عبر الفيس بوك