2020 وتأثيرات "كورونا"

 

د. سعيد الصقري **

** رئيس الجمعية الاقتصادية العمانية

 

 

مع نهاية عام 2019، كانت المؤشرات الرئيسية تدل على أنّ الاقتصاد العالمي يتّجه نحو طريق محفوف بالمخاطر. الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، والولايات المتحدة الأمريكية مع حلفائها الأوروبيين التقليديين، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وعدم اليقين في الاتحاد الأوروبي. ووفقاً لتوقعات صندوق النقد الدولي لشهر أكتوبر 2019م سينمو الاقتصاد العالمي بنسبة 3.0% في 2019، بانخفاض من 3.8% عن تقديرات 2017 وبأقل 0.3% عن توقعات الصندوق في أبريل. وأشار الصندوق بأن زيادة التعريفات الجمركية على السلع أثر على ثقة الأعمال والاستثمار والتجارة العالمية. فضلا عن ذلك كل المؤشرات تدل على تباطؤ النمو في منطقة اليورو واليابان بسبب انخفاض الإنتاج الصناعي. ومع ذلك، كان يتوقع صندوق النقد الدولي وقبل جائحة كورونا كوفيد 19 أن يتحسّن أداء الاقتصاد العالمي في عام 2020، لينمو بمعدل 3.4%.

في 31 ديسمبر من العام الماضي، أبلغت السلطات الصينية منظمة الصحة العالمية عن العديد من حالات عدوى بفيروس معدي غير معروف في الجهاز التنفسي يسبب التهاب رئوي في مدينة ووهان. وفي مارس 2020، أعلنت منظمة الصحة العالمية عن وباء عرف باسم COVID-19 انتشر في كل بلدان العالم تقريبا وبدون استثناء. حتى الآن، يبلغ عدد المصابين بـ COVID-19 أكثر من 2.3  مليون شخص وعدد الأشخاص الذين لقوا حتفهم بسبب الفيروس يزيد عن 160 ألف شخص. لمنع الفيروس من الانتشار أكثر، أجبر الناس في معظم البلدان على البقاء في منازلهم مما أدى إلى إغلاق الأنشطة الاقتصادية العالمية على نطاق لم يشهده العالم من قبل.

على إثر انتشار الجائحة، راجع صندوق النقد الدولي في تقريره الذي صدر في 15 أبريل 2020م، من توقعات نمو الاقتصاد العالمي، حيث يتوقع أن يتراجع الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 3.0%، وأن يتراجع اقتصاد الدول الصناعية بنسبة 6.1%، وأن يتراجع الأداء الاقتصادي لكل دول العالم تقريبا.

في السلطنة، بلغ عدد المصابين بـ COVID-19 وحتى الآن 1,180 شخص، وعدد الذين توفوا بسبب الفيروس 6 أفراد. مثل معظم دول العالم، تمّ إدخال تدابير لتقييد تحرك الأشخاص وتم تشجيع التباعد الاجتماعي لمنع الفيروس من الانتشار أكثر.

سيشكل الأثر المشترك للجائحة وانخفاض أسعار النفط تحدياً خاصاً للاقتصاد. فشهد مؤشر مسقط للأوراق المالية انخفاضا بنسبة 15.3% خلال الفترة من يناير إلى مارس 2020. وتوقع صندوق النقد الدولي في تقريره الذي صدر في 15 أبريل 2020م أن يتراجع اقتصاد السلطنة بنسبة 2.8%، قبل أن يشهد تحسنا في العام 2021م وينمو بنسبة 3.0%.  ومن المرجح أن ينكمش أداء القطاع غير النفطي وخاصة قطاع الخدمات في هذا العام بشكل كبير نتيجة إغلاق معظم الأنشطة الاقتصادية على نطاق واسع.

على مستوى المالية العامة، ستنخفض الإيرادات الحكومية بسبب انهيار عائدات النفط وزيادة الإنفاق الحكومي على الميزانية المعتمدة، لاحتواء آثار COFID19 مما سيزيد من الأعباء المالية على الميزانيات العامة، وسيؤدي ذلك إلى زيادة عجز الموازنة الحكومية والدين العام بشكل غير مسبوق.

بالنسبة لسوق العمل، يعمل حوالي 1.8 مليون وافد في القطاع الخاص بالإضافة إلى حوالي 250 ألف عماني. وسيفقد عدد كبير منهم وظائفهم نتيجة تقييد تحرك الأفراد والتباعد الاجتماعي لمنع الفيروس من الانتشار أكثر. فضلا عن ذلك، سيفقد العديد من العاملين لحسابهم الخاص مصادر دخلهم وربما يخرج عدد كبير منهم من سوق العمل.

لقد تغيّر الواقع الاقتصادي العالمي بعد كوفيد 19 وتعطل النشاط الاقتصادي العالمي مما سيضر بكثير من الأنشطة الإنتاجية المهمة مثل المواصلات والطيران وقطاع والسياحة وغيرها من الأنشطة التجارية.

ومع أهميّة ما تمّ الإعلان عنه من حوافز اقتصادية مثل ٢ ترليون دولار أمريكي في الولايات المتحدة الأمريكية، وحوالي 120 مليار دولار أمريكي لتحفيز الاقتصاد في دول مجلس التعاون، الطريق نحو التعافي تعتريه الكثير من الصعوبات لسببين مهمين وهما غياب التعاون العالمي في ظل إدارة ترامب وتزعزع ثقة المستثمرين والمستهلكين.

ومن المؤكد بأنّه سترتفع معدلات البطالة في العالم بشكل مخيف وستخرج أعداد كبيرة من الشركات والمؤسسات التجارية وخاصة الصغيرة والمتوسطة من السوق.

بالنسبة للسلطنة سيزداد العجز وترتفع المديونية الحكومية لأكثر من ٨٠% من الناتج المحلي الإجمالي، وستفلس العديد من الشركات والمؤسسات التجارية، كما سترتفع نسبة البطالة بين المواطنين، وربما ستكون هناك عودة لعدد كبير من الوافدين لأوطانهم. فضلا عن ذلك، سيرتفع عجز الحساب الجاري بما في ذلك العجز التجاري.

ما هي الحلول الممكنة في ظل ظروف قاسية وغير مسبوقة. الحل الأول يكمن في ترك الأمر لقوى السوق والعرض والطلب، وسيكون هناك تصحيح تلقائي لتشوّهات السوق على المدى البعيد ولكن التكلفة الاجتماعية لهذا الحل عالية. الحل الثاني، أن تقوم الحكومة بالتدخل وتحفيز الاقتصاد عن طريق الاقتراض أكثر وهذا الحل سيؤجل التحديات الاقتصادية على المدى القصير ولكن على المدى المتوسط سرعان ما ستظهر وتتفاقم بشكل كبير.

تعليق عبر الفيس بوك