حديث الذكريات

بدرية السيابية

أيام قد مضت، وذكريات باقية في الذاكرة لن تُنسى، وسنظل نحكيها لأنفسنا ولأولادنا بكل تفاصيلها الجميلة.

عشنا أجمل أيام الماضي الجميل الذي حمل في طيّاته كل ما تسعد به أنفسنا، وتنبض قلوبنا فرحاً عندما يمر أمام أعيننا شريط الذكريات، فترتسم البسمة على تعابير وجوهنا.

كبرنا وكبرت معنا خطوات نخطوها نحو زمن متطور، تفوق على ماضينا بمقتنيات العصر من ألعاب وأصدقاء ودراسة وحوارات؛ كل تلك وغيرها أصبحت مختلفة عن ماضينا الناعم، المفرح، التحدي الحقيقي لأنفسنا ولذاتنا.

ما أروع أصدقاء طفولتي حاملين ألعابهم البسيطة؛ عبارة عن قطعة قماش ألوانها زاهية مرسومة على هيئة إنسان وكأنها لعبة تتحدث إلينا.. تحس بنا، وهي تنظر بعينها الصامتة نحونا وكأنها تتحدث بكلمات النصح.. تمسح دموعنا بيديها الصغيرة، نحركها يميناً ويساراً وهي تبتسم لنا بدون تعب وألم، نشد عليها نفك قدميها ونعيد صنعها مرة ومرة ومرة ويكون قلبها نابعاً بحبها الصادق؛ هي تلك لعبتي وألعابهم؛ نحن منها وهي منا، ومرت الأيام.

نجلس تحت ظل شجرة كبيرة متفرعة الجذور صامدة على مر السنين منذ أيام جدي الأكبر، فقد أصبحت متوارثة بينهم لا تريد الرحيل، سعيدة بموقعها، شامخة تنظر للبعيد والقريب، تسعد من يجلس تحت ظلها لتبعث بنسيمٍ باردٍ وهواءٍ عليلٍ نتسابق للجلوس تحتها، ونحضن غصونها المتفرعة القوية؛ وكأنها تقول لنا ما أجمل صغاري أهلاً وسهلاً بكم تحت ظلالي العبوا وافرحوا فأنا هنا لإسعادكم؛ معلقين حول غصونها حبلا لنصنع أرجوحة تطير بنا عاليةً كطير محلقٍ عاليًا حر.. كم أعشق هذه الشجرة الصامدة.

نتسابق مع الأصدقاء نجري ونجري ويكاد النفس يستقطع من صدورنا والضحكات المتعالية لالتقاط ثمار الأشجار اللذيذة، ومشاهدة الطبيعة بزهورها ونخيلها، وجداول الماء تجري بنشاط وهمة لتسقي الأشجار لترويها بحب واهتمام ترعاها فهو شريان الحياة بل هو الحياة بأكملها حياة بسيطة نعيشها بتعاون وتكاتف بعيدًا عن الحقد والحسد لا نعلم سوى أن هناك نهاية جميلة.

كل زوايا الحياة تذكر أيامنا البريئة أيام طفولتنا بأحلامنا بتلاحمنا بضحكاتنا، كنا نشاهد التلفاز بلمة الأحباب، بعيون بريئة تلمع حبا وشوقا لمشاهدة ما يحبه الأطفال "رسوم متحركة".

كانوا بمثابة التعلّم عن بعد عن العادات والتقاليد عن الوفاء والصدق والنية الصالحة نشاهدها وكلنا ثقة بما يقدمه هذا التطوّر في زمن كان الاعتماد عليه لنقل الأخبار وبعض البرامج البسيطة الهادفة جلستنا كانت تحتوي على لمة الأسرة الصغيرة والكبيرة معا بكل حب وود، كنّا على قناعة ورضا. كانت أعين والدينا هي الأمان لنا تراقب تحركاتنا بكل لطف تحتوينا محبتهم لنا بقلب صافٍ، أيام لن تعود ولكن ذكراها باقية للأبد.

اشتقت لكل ما مضى، اشتقت للعبتي المبتسمة.. اشتقت لكل الأصدقاء الأوفياء.. اشتقت لحكايات جدتي.

يحل الليل بحكاياته الجميلة تسردها لنا الجدة اللطيفة تسرد حكاياتها بتسلسل منبهرين بأحداث كل حكاية بين المرعبة والمسالمة تبتسم الجدة ونحن ملتصقين بحضنها الدافئ ورائحة عطرها الممزوج بالعود الهندي الفاخر وصل لها كهدية من أخيها البحار المغترب بين الترحال والسفر عبر الأمواج العاتية صابراً متحملاً مشقة رحلته بين وطنه وعمله الشاق، هكذا كان أجدادنا يتحملون العناء بكل صبر جميل وجهد، لا يستسلمون، واقفين في وجه الرياح وجه المصاعب.

كانت حياتنا هادئة مليئة بنعومة أفكار بنيةٍ صافيةٍ وقلب لا يحمل بين حناياه حقدا أو ضغينة؛ ليت الأيام تعود لنخبرها عن زمن نعيشه في عالم مجهول الهوية..

ندعو الله السلام والأمان لحياتنا في الحاضر والمستقبل..

تعليق عبر الفيس بوك