"كورونا" والآثار الاجتماعية

 

د. بدرية بنت ناصر الوهيبية

منذ انتشار فيروس كورونا في العالم تأثرت العديد من المجتمعات والشعوب وانعكست تداعيات مواجهة الجائحة على القطاعات الاجتماعية والاقتصادية لكل دولة بشكل سلبي، ما أدى إلى زيادة الإجراءات والتدابير الاحترازية التي أصدرتها الدول المتضررة،ومنها تعليق التعليم بجميع مستوياته، وإغلاق المؤسسات الاجتماعية ،ودور العبادة ،والأماكن الترفيهية والرياضية والسياحية، كما أثرت تلك التدابير  إلى إنخفاض أسعار النفط ومعدلات إنتاجه، وإنخفاض البورصات العالمية والمحلية، بالإضافة إلى تأثر العديد من القطاعات الداخلة في الناتج المحلي لكل دولة من تجارة وصناعة وزراعة وسياحة وغير ذلك.

وسلطنة عمان مثلها مثل الدول الأخرى تعرضت لهذه الجاحة وما سببته من أضرار ، ولكن بفضل الفكر الحكيم لجلالة السلطان هيثم بن طارق –حفظه الله ورعاه- ،تم اتخاذ التدابير الاحترازية المناسبة للتقليل من تلك الأضرار ، وكان التوجه الأول المحافظة على الأمن الإنساني والاجتماعي والحد من تفشي الجائحة بشتى الطرق الممكنة ،وتعزيز الإمكانات الصحية ، وفحص كل مواطن ومقيم على أرض السلطنة ومعالجته بدون تهاون، وقد ضرب بذلك أفضل الممارسات والتجارب العالمية في احتواء الجميع بدون تفرقة ما بين مواطن أو وافد، تطبيقا لرسالة عمان السلام والأمان.

وتصدت السلطنة لأزمة تفشي فيروس كورونا، فاتخذت قرارات صريحة وعاجلة باحتواء الفيروس،ومع ازدياد ارتفاع العدد الإجمالي لحالات الإصابة، فإن هناك حالات تتعافى بشكل يومي ، فيما بلغت حالات الوفاة ست حالات فقط حتى وقت كتابة هذا التقرير(19/4/2020)، و قد تسبب فيروس كورونا (كوفيد–19) في تفعيل أعلى مستويات الاستجابة والإنذار من الأمراض المعدية في السلطنة، ومواجهة الكوارث وضمان السلامة، والتخطيط لأعمال الاستجابة وتوجيهها، كما أُنشئت نقاط التحكم والسيطرة في جميع المحافظات ،وإقامة الحظر الصحي لبعض الولايات التي ثبت تفشي الجائحة بها  كتدبير لمكافحتها والحد من انتشارها، واتباع سياسة الشفافية والإعلام من خلال تكثيف البرامج  والحملات الإعلامية المختصة في مواجهة الجائحة، وعقد المؤتمرات واللقاءات الصحفية لإبقاء المجتمع على اطلاع بآخر التطورات والمستجدات، كما تم تعديل بعض أحكام قانون مكافحة الامراض المعدية بما يتواءم والمستجدات الطارئة لهذا الوباء،وفرض العقوبات على المخالفين وغير الملتزمين بالعزل الصحي المؤسسي والمنزلي،كما تمت دعوة المتقاعدين الصحيين من وزارة الصحة للمشاركة والاستفادة من خبراتهم في ظل هذه الأزمة.

وشكلت وزارة الصحة بالتعاون مع وزارة التنمية الاجتماعية  لجان الاستجابة الطبية والإغاثة والإيواء في مختلف محافظات السلطنة، لدعم مراكز العزل المؤسسي ،وحاليا تم استخدام معظم المراكز السكنية والفنادق العالمية والمحلية كمراكز للعزل المؤسسي، واستقبال الطلبة المبتعثين، بالتنسيق والتواصل مع وزارة السياحة، ووزارة الخارجية، ووزارة التعليم العالي.

ومن أبرز أعمال قطاع الإيواء والإغاثة متابعة أعمال لجان التنمية الاجتماعية التابعة لمكاتب السعادة الولاة في الولايات، وتفعيل دورها في قطاع الإغاثة والإيواء، إلى جانب تكوين نقاط اتصال بالمحافظات والولايات ، لتحقيق المرونة والجاهزية المجتمعية وسبل التكاتف مع الجمعيات الأهلية والخيرية ولجان الزكاة بالتعاون مع وزارة الأوقاف والشؤون الدينية ، و توفير المواد الغذائية والطبية لإغاثة المتضررين من ذوي الدخل المحدود، والمتأثرين من أصحاب المهن الحرة والبسيطة لسد احتياجاتهم المعيشية، وتم الإعلان عن تشكيل فرق تطوعية بالتعاون مع اللجنة الوطنية للشباب في كل ولايات السلطنة بالتعاون مع أعضاء مجلس الشورى وأعضاء المجلس البلدي والجمعيات الخيرية وجمعيات المرأة العمانية وذلك في سبيل تعزيز التكافل المجتمعي، والنهوض بالمهام الموكلة إليهم في الجوانب المتعلقة بالتوعية المجتمعية والصحية، وتوفير مواد الإغاثة وتنظيم العمل التطوعي خلال الحالات الطارئة، والتجاوب مع الخطوط الساخنة التي خصصت لتلقي بلاغات الحالات الوبائية وأية مشكلات متعلقة بالجائحة.

وأجرت السلطنة عدة تدابير وذلك لتحقيق الأمن الغذائي في إطار مواجهة أزمة كورونا ، وبهدف تعزيز المخزون الاحتياطي من السلع الغذائية الأساسية، و تعاقدت الهيئة العامة للمخازن والاحتياطي الغذائي  في السلطنة لشراء 10 آلاف طن من السكر الأبيض، و10 آلاف طن من الأرز، و45 طناً من العدس الأحمر، وتم استيراد الغذاء الحيواني من بعض الدول الإفريقية والعربية الشريكة ، وهذا القطاع يشكل فرصة لدعوة أصحاب المشروعات الاستثمارية والمشروعات إلى الاستثمار في مجال التصنيع الغذائي لتحقيق الاكتفاء الذاتي ، وتسهيل الإجراءات لمن يرغب.

كما تم تفعيل عدد من التطبيقات والمنصات الإلكترونية،ومنها،  تفعيل منصة معك (With You) والتي تعطي استشارات و مساعدة نفسية و سلوكية من قبل مختصين على مدار الساعة من المنزل ، واستثمار الطائرات المسيرة (الدرونز) ،وتسخيرها لرش الطرقات و تعقيمها ،كما تم تسخيرها لقياس الحرارة عن بعد وتقصي المصابين،واستخدامها من قبل شرطة عمان السلطانية لتوعية المواطنين، فساعدت في مكافحة فيروس كرونا، وتم ابتكار منصات للتسويق الإلكتروني تساعد في الحد من الخروج من المنزل، وبالتالي الحد من مخاطر انتشار العدوى،ومنها ،منصات التوصيل (مندوب) ومنصة (دريول) و(راشن) لشراء المستلزمات اليومية ومنصة (أكيد) لتوصيل طلبات الطعام، ومنصة (زاد عمان ) التي أعلنت عنها الهيئة العامة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة  (ريادة )بهدف تسويق منتجات المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وتسهيل أعمالهم ، ومنصة (ثواني) للدفع عن بعد، وغيرها من المنصات التسويقية، بالإضافة إلى تفعيل منصات الطلبات الغذائية والاستهلاكية عن بعد.

وتيقنت السلطنة وبفضل القيادة الحكيمة لمولانا السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- أن استمرار انتشار الفيروس وعدم السيطرة عليه سوف يؤدي إلى خسارة كثير من الشركات والمؤسسات الخاصة، وبالتالي فقد العمالة وتسريح الموظفين في القطاعات الاقتصادية المختلفة، وفقد أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وأصحاب الحرف مصدر رزقهم ، فضلا عن  تأثر العاملين في قطاع الطيران، والفنادق،والمطاعم ،والخدمات اللوجستية،وغيرهم من العاملين في الشركات الخاصة الذين توقفت أعمالهم جراء هذه الأزمة، كما أن كثير من العاملين الوافدين فقدوا أعمالهم اليومية ، وخاصة من كان يعمل منهم في المحال التجميلية ومنها الحلاقة ،والصالونات النسائية ،وأعمال البناء،وغيرهم ، وجميع هذه العوامل ستؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على الأمن والاستقرار المجتمعي والأسري  ،وقد تؤدي إلى زيادة حالات الطلاق بسب الظروف الاقتصادية وما تجره من ويلات التفكك الأسري ،والانحراف وانتشار الجرائم الأخرى كالسرقة ،وغير ذلك،ما لم يتم تداركها واتخاذ التدابير المناسبة لمعالجتها.

وللتخفيف من أثر تداعيات الجائحة تم اتخاذ حزمة من التدابير الاحترازية الناجعة بفضلها أصبحت السلطنة تعد أنموذجاً يحتذى بها عالميا في مكافحة تفشي فيروس كورونا المستجد،حسبما أفادت به منظمة الصحة العالمية مؤخراً ، وإشادة  بنك النقد الدولي للإجراءات التي اتبعتها السلطنة لمواجهة تداعيات كورونا وانخفاض أسعار النفط ،  واستطاعت السلطنة تعزيز قدراتها على مراقبة تفشي الجائحة والتصدي لها من خلال تعديل بعض أحكام قانون مكافحة الأمراض المعدية ،ووضع التدابير القانونية لمن يخالف تلك التعليمات التي تصدرها اللجنة العليا وذلك من أجل الحد من انتشار العدوى.

وأعدت السلطنة آليات وخطط واضحة للتعامل مع المتضررين ماديا من الأزمة، وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص من أجل مكافحة الجائحة ودعم المتضررين، وتوزيع المسئوليات على الجهات الحكومية فيما يتعلق بالوقاية والاحتواء، والاستجابة الفعلية لمتطلبات العلاج والحجر الصحي،وإغاثة المتضررين ومنهم ذوي الدخل المحدود والوافدين، وتوفير المؤن والمستلزمات الضرورية لجميع المتضرريين العمانيين والأسر والوافدين جراء اتباع التدابير الاحترازية ووقف بعض الأعمال ، كما أنها حاليا تعمل على تفعيل صندوق الأمن الوظيفي ودعمه ماليا وفنيا وإداريا،وهو  أحد أهم المشروعات التي يجري العمل على تنفيذها، وقد جاء بتوجيهات سامية من لدن حضرة صاحب الجلالة هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- ، والذي يعكس مدى الحرص السامي على رعاية المواطن في القطاع الخاص؛ نتيجةً لما يمر به هذا القطاع من تحديات ، ومصاعب أضرت بالعديد من المواطنين، الذين تعرضوا لعمليات تسريح وخفض رواتب ،وإعلنت بعض البنوك مراعاتها لتأثيرات الأوضاع الحالية خاصة على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة؛وتأجيل سداد أقساط هم من القروض سواء أكان من الأفراد أم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة  ، كما ساهم المجتمع بدوره في تنظيم المبادرات المجتمعية عن بعد التي يقوم بها الأفراد المتطوعين، والجمعيات الأهلية لتعزيز لزوم الأسر منازلهم ،وتوعيتهم بالالتزام ،والبرامج النفسية والاجتماعية الداعمة لبقائهم في المنزل ، وإعداد الورش التدريبية والتعليمية عن بعد ،و توفير صناديق المؤن والمستلزمات اللازمة للوافدين والأسر المتضررة جراء تطبيق الحظر الصحي لبعض الولايات والمحافظات،.

ومن حيث تأهيل الوضع بعد كورونا بسبب ما أحدثه من آثار اجتماعية واقتصادية ، وفقد الكثير من العاملين وظائفهم جراء التدابير الاحترازية لجأت بعض الدول إلى وضع آليات لتعزيز شبكات الأمان الاجتماعية ، وحماية بعض المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ،وأصحاب الحرف ، وفئة ذوي الدخل المحدود ،حسب بيان ذكرته الصحيفة الرقمية (Business Insider) ،وذلك عن طريق تقديم مساعدات مباشرة للمواطنين، بما في ذلك الإعانات الشهرية أو دفع أجور العمال من أجل تجنب تسريحهم، ومن ضمن هذه الدول: ماليزيا،وكوريا الجنوبية ، والولايات المتحدة، وألمانيا،وفرنسا.

تعليق عبر الفيس بوك