دور الصيرفة الإسلامية في أزمة "كورونا"

 

د. محمد إيمان سسترا ميهجات

رئيس الشريعة - بنك عمان العربي

بدأت حكاية فيروس كورونا لأول مرة في 17 نوفمبر 2019 في مدينة ووهان في مقاطعة هوبي في الصين.. استنادًا إلى بيانات السلطات الصينية في صحيفة "جنوب الصين" الصباحية، كان هناك على الأقل 266 حالة خضعت للمراقبة الطبية في ذلك الوقت.. أما اليوم، فينتشر Covid-19 في جميع الدول، ويجلب المعاناة الإنسانية في جميع أنحاء العالم.. ولحُسن الحظ، عُمان هي واحدة من أبطأ الدول في معدل انتشار الفيروس في الشرق الأوسط.

 

المصرفية الإسلامية في عُمان

عُمان هي آخر دولة في الشرق الأوسط تقدِّم الخدمات المصرفية والتمويل الإسلامي بصدور المرسوم السلطاني 69/2012 المؤرخ 6 ديسمبر 2012. حيث يوجد في عُمان حاليا بنكان إسلاميان متكاملان (بنك نزوى وبنك العز الإسلامي) وستة نوافذ إسلامية (اليسر للصيرفة الاسلامية، ومزن للصيرفة الإسلامية، وميثاق، وصحار الإسلامي، والهلال الإسلامي، وميسرة للصيرفة الإسلامية).

قبل أن ينتشر وباء Covid-19 في جميع أنحاء العالم، توقَّعت الكيانات المصرفية الإسلامية في عُمان أن تواصل رقماً قياسيًّا من الإنجازات الرائعة على مدى السنوات الخمس المقبلة. إلا أنه وبسبب هذه المفاجآت يجب معالجة تحدِّي تفشي المرض بشكل جماعي من قبل أصحاب المصلحة في الخدمات المصرفية الإسلامية؛ من أجل تحقيق النمو المستدام لهذه الصناعة، خاصة في مجال المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تتأثر بشكل أكبر بالوضع الحالي.

 

تأثير Covid-19 على قطاع الأعمال

منذ ظهور Covid-19 ما يقارب الخمسة أشهر بعد أول كشف عنه وإعلان إجراءات احتواء؛ حيث يعتبر الوباء إحدى أسوأ الأزمات المالية العالمية في العصر الحديث التي لها ضرر اقتصادي كبير. فقد أثر Covid-19 في بضعة أشهر تأثيرًا اقتصاديًا كبيرًا أكبر من ذلك الذي تسببت فيه الأزمة المالية العالمية في عام 2008. لأن أزمة الرهن العقاري في العام 2008 أثرت في الغالب على المؤسسات المالية التي ترتبط بالتزامات الديون المضمونة (CDOs)، بينما الضرر الاقتصادي الناجم عن الوباء Covid-19 يضرب كل الاقتصاد العالمي؛ حيث سيحتاج العالم إلى سنوات للتعافي.

كان لجائحة Covid-19 أثر على المعاملات والتبادلات الدولية التي تتم من خلال قنوات الاتصال العالمية أو القارية أو الاقطاعية؛ مما أدى لتباطؤ حاد في الأنشطة الاقتصادية والتجارية. نتج عنه أضرار التي تكبدتها الدول بسبب الانكماش الاقتصادي الكبير، وانخفاض الطلب العالمي والمحلي بسبب القيود المفروضة على السفر والحركة التي تفرضها العديد من البلدان في جميع أنحاء العالم. التي تنقذ بلدًا أو قطاعًا، لكنها في نفس الوقت تتسبب في خسائر هائلة، ليس فقط في الصين، ولكن أيضًا لدى شركائها الاقتصاديين. كل هذا يؤثر بشكل واضح على ثقة المستهلك والأسواق المالية. ومع ذلك، فإن القطاع الذي سيشهد أكبر خسارة هو المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ليس فقط في عُمان ولكن أيضًا في جميع البلدان المتأثرة بشكل مباشر أو غير مباشر بالجائحة.

كما يُدرك الجميع الأهمية الإستراتيجية للشركات الصغيرة والمتوسطة في التنمية الاقتصادية للبلاد.. على الرغم من أن مساهمة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في عُمان لا تمثل إلا نسبة 15% من الناتج المحلي الإجمالي الوطني مقارنة بمساهمة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في البلدان النامية بين 40 إلى 60%، فإنه يتزايد عدد المشاريع الصغيرة والمتوسطة في عمان عامًا بعد عام ليصل إلى 34.894 منشأة بحلول نهاية يونيو 2018 مقارنة بـ31،835 في نهاية عام 2017، وفقًا للبيانات التي نشرتها الهيئة العامة لتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة (ريادة)، }عمان أوبزرفر، 2019{؛ حيث إن معظم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة مسجلة في محافظة مسقط - وفقًا لـ IsDB (2020)، في حين يبلغ معدل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في البلدان الإسلامية 53.2 مؤسسة لكل 1000 من السكان، وهو أكثر من ضعف المعدل العالمي لـ25.2 مؤسسة لكل 1000 نسمة.

وسط انتشار Covid-19، يعاني قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من تقلص الأنشطة الاقتصادية بسبب الحبس واسع النطاق الذي يفرضه النظام في العديد من البلدان. إنهم يقاتلون من أجل البقاء خلال الجائحة للعثور على موارد أخرى يديرون بها النفقات الرأسمالية ونفقات التشغيل؛ مثل: الرواتب والإيجار وإستراتيجية التسويق الجديدة، وكذلك التزامهم بالمؤسسات المالية. لذلك، تحاول العديد من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة خفض النفقات من خلال تسريح العمال؛ مما سيؤدي ليس فقط إلى أزمة اقتصادية، ولكن أيضا إلى أزمة اجتماعية حادة. ستنتج عنها عواقب وخيمة في معظم البلدان التي لديها موارد محدودة ونشاط اقتصادي ضعيف.. وأكد اقتصاديون أن 25 مليون وظيفة يمكن أن تفقد في جميع أنحاء العالم خلال أزمة Covid-19.

ووفقًا لمجموعة من الباحثين من جامعة تسينغهوا في الصين، استنادًا لاستطلاع أجري خلال ذروة الوباء، كشف أن ثلث المجيبين في الاستطلاع من أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة لا يمكنهم الاستمرار لأكثر من شهر واحد وسط تفشي الوباء، بينما اعترف ثلث العينة أنهم لا يستطيعون الاستمرار لأكثر من شهرين. لسوء الحظ، لا يستطيع سوى 10% فقط من المجيبين البقاء لمدة ستة أشهر أو أكثر. لذلك، ووفقًا للمبادئ الإرشادية الصادرة عن البنك المركزي العماني من خلال تعميمه BSD/CB/2020/1 بتاريخ 18 مارس 2020، سمح البنك المركزي للمؤسسات المالية (القطاع المصرفي وشركات التأجير التمويلي، التقليدية والإسلامية) بالتغلب الظروف الاقتصادية السائدة عن طريق تأجيل القسط التمويلي والإيجار وكذلك الربح للعملاء المتأثرين بـ Covid-19 حتى 6 أشهر لعملاء المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. لذلك على عملاء المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الاستفادة من تعميم البنك المركزي العماني أعلاه حتى يتمكنوا من البقاء لفترة أطول من شهر واحد إلى 6 أشهر. كما توجد هناك العديد من المزايا التي يمكن رؤيتها من التعميم؛ مثل: دعم استمرارية الأعمال واستدامة الوظائف وكذلك التغلب على الآثار المترتبة على الإفلاس والبطالة على نطاق واسع. إضافة إلى ذلك، يقوم البنك الإسلامي بدعم من الحكومة والجهات المعنية بتقديم برامج تمويل تشجع المؤسسات المالية على التوسع في التمويل وسط جائحة Covid-19.

 

ماذا يمكن للبنك الإسلامي أن يفعل وسط جائحة "كوفيد 19"؟

وسط جائحة Covid-19، يمكن للبنك الإسلامي أن يلعب دورًا محوريًّا من خلال دعم الحكومة لتعزيز الأنشطة الاقتصادية داخل السلطنة. هناك العديد من الأدوار التي يمكن للبنك الإسلامي اتخاذ إجراءات فيها من خلال توفير النقاط أدناه بما في ذلك:

1- تأجيل الأقساط الشهرية للمشاريع الصغيرة والمتوسطة والدفعات المقبلة لتسهيلات رأس المال العامل قصيرة الأجل وتسهيلات التمويل لأجل (بناءً على عقود الوكالة للاستثمار، المشاركة التشغيلية، المشاركة المتناقصة، أو تحويل الرصيد والإجارة بالبيع وإعادة الاستئجار، أو المشاركة المتناقضة... وما إلى ذلك) تأجيل الاقساط المستحقة في أو قبل 30 سبتمبر 2020 لمدة 6 أشهر من تواريخ الاستحقاق الحالية.

2- في حالة التسهيلات التمويلية لأجل (بناءً على عقد الإجارة، أو إجارة موصوفة في الذمة، أو مشاركة متناقصة، أو مرابحة... إلخ) سيتم منح عملاء المؤسسات الصغيرة والمتوسطة فترة سماح أو عطلة سداد حتى 30 سبتمبر 2020 بينما يبدأ سداد الأقساط من 30 أكتوبر 2020. وتجدر الإشارة إلى أن فترة السماح أو عطلة السداد في عقد المرابحة لا تزيد في ربح المرابحة ولو بمقدار واحد.

3- يمكن تمديد إجمالي عدد أقساط التسهيلات التمويلية لأجل (جميع العقود باستثناء مرافق التمويل القائمة على المرابحة) بناءً على طلب العميل. ومع ذلك، في حالة المرابحة، عادة ما تحجم البنوك الإسلامية عن زيادة مدة القرض لأنها لن تعطي أي فائدة للبنك الإسلامي.

4- للعملاء الذين لديهم متأخرات في البنوك الإسلامية (من 30 إلى 90 يومًا)، يجوز للعميل طلب إعادة جدولة وإعادة هيكلة التمويل (باستثناء التسهيلات التمويلية القائمة على المرابحة).

5- يجب على البنك الإسلامي مراعاة تخفيض الرسوم الحالية المتعلقة بالخدمات المصرفية المختلفة والامتناع عن تقديم خدمات جديدة خلال عام 2020.

6- يمكن للبنك الإسلامي أن يفكر في إفراغ الصندوق الخيري وتوزيعه على الجمعيات الخيرية داخل السلطنة حتى تتمكن من توزيعه على المحتاجين وسط الوباء.

7- يجب على البنك الإسلامي النظر في وضع نسبة كبيرة من أرباحه في صندوق المسؤولية الاجتماعية للشركات لمساعدة أولئك المتأثرين بـCovid-19، ومساعدة الحكومة في التصدي للجائحة ومكافحتها من خلال المساهمة بالتبرعات في حساب الوقفي الذي حددته وزارة الصحة. وذلك سوف يساعد الحكومة في التخفيف من انتشار الوباء في السلطنة.

وعلى الرغم من كل ذلك، سيكون آخر عام 2020 مثيراً للاهتمام للقطاع المصرفي والمالي الإسلامي مع توقعات بالاتجاه الصعودي في نمو الصناعة المصرفية والتمويل الإسلامي؛ من خلال إدخال هياكل المنتجات المبتكرة والأدوات التي تتناسب مع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تحتاج إلى جذب المزيد من عملاء المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، خاصة وسط جائحة Covid-19. لقد حان الوقت للبنوك الإسلامية لتغيير إستراتيجيتها، ومراجعة ميزانيتها، والتخطيط للمنتجات والخدمات المناسبة للشركات الصغيرة والمتوسطة.

التحدِّي الآخر الذي يُواجه البنك الإسلامي هو كيفية رقمنة الخدمات والمدفوعات، وسيساعد ذلك المؤسسات الصغيرة والمتوسطة على إدارة شؤونها المالية عن بُعد من خلال النظام عبر الإنترنت وزيادة دخل أعمالها. خاصة أثناء الجائحة، أصبحتْ الأوراق النقدية عبئا؛ لأنها تسهل انتقال الفيروس؛ حيث تقوم بعض البنوك المركزية بتطهير أوراقها النقدية من أجل وقف انتشار الفيروس. لذلك، توصي منظمة الصحة العالمية باستخدام الدفع اللاتلامسي حتى يتمكن البنك الإسلامي من الاعتماد على التقنيات الرقمية وتقليل استخدام الفروع المادية. ويجب على الكيانات المصرفية الإسلامية الاستفادة من هذه الفرصة لتجربة نموذج عمل تشغيلي جديد من أجل تكييفها مع واقع السوق الجديد حتى انتهاء تفشي Covid-19. وفي الواقع، يمكن للمصارف الإسلامية الاستفادة من Covid-19 وتحويلها من أزمة إلى تحدي لتصبح فرصة من خلال تحويل عملية الصيرفة؛ من خلال تبسيطها من خلال التكنولوجيا لتكون سريعة وسهلة الاستخدام. لتكون نقلة نوعية تغييرة كتلك التغيرات التي شهدناها بالفعل في السنوات السابقة في بعض الخدمات؛ مثل: عمل تطبيق واحد لسيارات الأجرة، وتأجير السيارات، وتوصيل الطعام، والتذاكر، وحجز الفنادق، والتكنولوجيا المالية.

وعلى الرغم من جميع التحديات المذكورة أعلاه التي ستواجهها البنوك الإسلامية والتمويل الإسلامي، ما زلنا نتوقع أن تستمر الصناعة في النمو على الرغم من أنها أقل من المتوقع. خاصة بالنسبة للأسواق الجديدة التي تستعد لتبني الخدمات المصرفية والتمويل الإسلامي؛ من خلال تنظيمها الفريد الجديد وفقًا لإطارها القانوني مع لاعبين الجدد ومنتجات جديدة أكثر ابتكارًا. لذلك، ووسط حالة تفشي المرض، يجب على البنك الإسلامي تغيير إستراتيجيته، ومراجعة ميزانيته، وتطوير أفضل منتج مناسب للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة؛ بحيث يدعم هذا القطاع اقتصاد البلاد.

تعليق عبر الفيس بوك