فكرة من هذه؟!

 

فاطمة عبدالله خليل

كاتبة بحرينية

 

في وقت مضى ساد الاعتقاد أنّ العمل البدني والتحصيل العلمي أساس أي عمل ناجح، ثمّ أضيف إلى ذلك المهارات وغيرها، كان ذلك كله عندما كنّا غارقين في عالمنا المادي وننظر للحياة وفق منظور ضيق للأمور من حولنا، ولكن البحث في العالم اللامرئي والغوص في عمق خيمياء الكون يقودنا للبحث عن أصل الأشياء، فكلما أرجعناها لسبب ما وجدنا أنّ سبباً آخراً كان سابقاً لها، ويقاس على ذلك مفهوم الخلق والابتكار.

لكن مهما فككنا الأشياء وأعدناها إلى أصلها فإننا سنجد في نهاية المطاف أنّ الأصل الجامع لكل الأشياء في الكون إنّما هو الفكرة، فالفكرة هي التي أوجدت المواد الأولية، وهي التي حولت المواد الأولية الخام إلى إنتاج أو خلق معين، ويقاس عليها خلق الكون والإنسان بفكرة إلهية، وهو ما يستدعي الإشارة إلى ما يسميه بعض المشتغلين بالوعي الإنساني بـ"عقل الله" خالق الأفكار التي هي أساس كل شيء.

يجرنا ذلك إلى البحث في أعماقنا، سبر مصادر أفكارنا، البحث عن منشئها. لعلك قرأت كتاباً، فبنى عقلك على بعض منه فكرة ما، ووجدت أنّك فكّرت فيما قرأت وابتدعت فكرتك، ربما تعرّضت لمنظر طبيعي لامس قلبك ووجدت أنك تبدع في الخروج بقانون كوني كالقصة الشهيرة لسقوط تفاحة نيوتن أو تخرج بقصيدة ذات كلمات رائعة، وتعي أنّ أصل توصلك لهذا القانون أو تأليفك تلك القصيدة إنّما هو فكرة. تحادث أحدهم وتجد أنّك على رغبة في الكلام فوراً فإذا لم يمنحك الفرصة للحديث مسترسلاً فيما يقول تشعر أحياناً أّن فكرة ما كانت قد لمعت في ذهنك ولكنّها لم تأخذ حقها من الظهور والالتقاط في وقتها فاختفت فجأة، ولعلّك قلت في مواقف كثيرة أنّه كانت في ذهنك فكرة ما ولكنها "سرعان ما طارت منك"، وتشعر أنّ الفكرة ليست مكتملة وإنّما هي وميض لفكرة ولكنّها لم تستأنف طريقها إلى عقلك لأسباب لا تعلمها ما حال دون وصولك إليها.

هل لاحظت أنني قلت "حال دون وصولك" إلى الفكرة؟ أي أن الفكرة ليست فكرتك بالأصل.. فهي موجودة وما كان عليك إلاّ التقاطها. ولكن ماذا عن (أفكار المشاريع والبحوث والمقالات التي تقدمها، أفكار الرسومات التي ترسمها، أفكار وصفات الطعام التي تبتكرها، أفكار أي إنتاج تقوم به صغيراً كان أو كبيراً)؟ أهي أفكارك؟ أفكار من هذه يا ترى؟!! ألم تسمع شاعراً يحكي كيف أُلهم قصيدته الشهيرة؟ ألم يحدثك موسيقياً كيف تلقى لحناً لأغنية في منامه؟ ألم يخبرك أحدهم ذات يوم كيف وجد إجابة عن تساؤلاته "صدفة" من خلال عجوز في الطريق أو طفل في بيته أو عابر في مكان عام حدثه سريعاً في موضوع لم يلقِ له بالاً ومضى وكأنه مرسول بالإجابة؟

بالمختصر:

إنّما الفكرة رزق.. يلهمنا الله إيّاها لنعمر الأرض، وأنّ دورنا على هذه الأرض التقاط الأفكار وتنفيذها، وإن لم تحسن التقاط الفكرة في وقت ما فقد تلتقطها لاحقاً أو يلتقطها غيرك. ولكن المهم أننا لا نملك أفكارنا.. ولسنا المصدر الأول أو منشأ الفكرة وظهورها.

 

تعليق عبر الفيس بوك