"كورونا" والاقتصاد

حاتم الطائي

العالم يواجه أكبر تحدٍ اقتصادي منذ 9 عقود

جائحة "كورونا" تهدد بانهيار نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية

فيروس خفي حصد أرواح 100 ألف وأصاب أكثر من 1.7 مليون شخص

علينا العودة لمواقع العمل قريبًا بإجراءات احترازية تضمن عدم انتشار الفيروس

الموازنة بين حماية الأرواح وحماية الاقتصاد ضرورة تفرضها الظروف والمعطيات الحالية

بات من المُؤكد أنَّ العالم يُواجه الآن أكبر تحدٍ اقتصادي منذ نحو 9 عقود، أي منذ الكساد العظيم الذي ضرب العالم في مطلع ثلاثينيات القرن الماضي، وما يُفاقم هذا التحدي، هو حالة الضبابية وعدم اليقين إزاء ما يجري حولنا من مُتغيرات، ظاهرها صحية وباطنها اقتصادية بحتة، فأزمة الفيروس التاجي "كوفيد-19" ليست سوى القشرة الخارجية لمُعضلة عنيفة تضرب اقتصاد العالم.

فهي ضربة مزدوجة للاقتصاد العالمي؛ إذ إنَّ العالم يقف منذ يونيو 2019 على شفا ركود اقتصادي عميق، فضلا عن انهيار لنظام ما بعد الحرب العالمية الثانية، بعدما شنت الولايات المتحدة حرباً تجارية عنيفة على الصين، وتبع ذلك معارك أخرى بين أمريكا ودول أوروبية، وسط ارتباك في سلاسل الإمداد وحركة التجارة العالمية. ومع تفشي فيروس كورونا المستجد، وجد العالم نفسه يُواجه خطرا لم يسبق له مثيل، فثمة فيروس لا يُرى يُداهم الدول ويخطف الأرواح، ويُصيب مئات الآلاف، الأمر الذي دفع الدول لفرض قيود تتجاوز حتى قيود الحروب، فإغلاق الحدود ووقف الطيران المدني وحظر التجول وإغلاق المؤسسات الحكومية والخاصة وغلق الاقتصاد بشكل عام، كلها قيود لا تحدث في أحلك الظروف. وهذا يدفعنا للتفكير في ماهية الحرب القائمة حالياً على الفيروس، وما تمثل من تهديد حقيقي على التجارة العالمية والنظام العالمي بصفة عامة، لكن في الوقت نفسه يحثنا على تدبر الحلول والآليات الكفيلة بالخروج من هذا النفق المظلم، الذي يخشى البعض ألا ضوء في نهايته!

ونحن في عُمان، تأثرنا كغيرنا من دول العالم، واتخذنا قرارات صعبة، لكنها ضرورية لحماية المواطن قبل كل شيء، رغم أنَّ ذلك لا يثنينا عن التفكير في مآلات الوضع الراهن، خاصة وأننا مثل كل الدول النفطية، نُعاني من الصدمة المزدوجة، تهاوي أسعار النفط وتأرجحها بين 25 و30 دولارا، وفي نفس الوقت أزمة كورونا، وتزايد الأعداد يومًا تلو الآخر. نقول نعم إنَّ الجهات المعنية وعلى رأسها اللجنة العليا المكلفة ببحث تطورات فيروس كورونا، تقوم بواجبها على أكمل وجه، وقد أخذت من الإجراءات ما يكفل احتواء الفيروس بالدرجة المُناسبة، وهي قرارات نرى أنها ضرورية ولازمة لمنع مزيد من الانتشار.

غير أنَّ الواقع يفرض علينا حتمية التفكير خارج الصندوق، والبدء بإجراءات تضمن عودة الحياة تدريجيا إلى طبيعتها، دون الإخلال بالضوابط الأساسية، وهناك حلول عدة، منها إعادة فتح خطوط الطيران أمام العمال الوافدين الراغبين في العودة لبلدانهم، لاسيما وأنَّ هناك الكثير منهم فقدوا وظائفهم، ومكوثهم في السلطنة يكلفهم الكثير، هذا في حد ذاته سيفضي إلى جملة من الفوائد الصحية والاجتماعية والأمنية. والتقديرات تشير إلى أنَّ الموجة الحالية للفيروس التاجي قد تنقضي في غضون شهرين، ثم سيتبعها موجة ثانية في أكتوبر المُقبل، وهي آراء علمية نشرتها كبرى المؤسسات البحثية العالمية.

لذا يمكن إعادة فتح عدد من الأنشطة التجارية مع اتخاذ الإجراءات الاحترازية، وعلى رأسها التباعد الاجتماعي، وضمان ارتداء كل فرد للكمامة، وارتداء القفازات خاصة في مواقع العمل التي تتطلب ذلك، وتغييرها باستمرار مثل المطاعم والمقاهي، إلى جانب توفير المعقمات في مواقع العمل الداخلية والخارجية، فالحياة لا يجب أن تتوقف بالتوازي مع جهود احتواء الفاشية المستجدة. والعودة إلى الأعمال المختلفة تتطلب أعلى درجات الحيطة والحذر، وهنا يجب إلزام كل رئيس وحدة حكومية ومؤسسة قطاع خاص أن يضمن التزام الموظفين والعاملين بهذه الإجراءات، ويتم التفتيش عليها من قبل الجهات المعنية. وبهذه الحلول نكون قد ضمنا عودة العمل وعجلة الاقتصاد إلى الدوران، فضلاً عن حماية مجتمعنا من الأخطار الصحية التي تواجهه بسبب فيروس كورونا.

إنَّ الموازنة بين حماية الأرواح وحماية الاقتصاد ضرورة تفرضها الظروف والمعطيات الحالية، وليس لنا من سبيل سوى المواءمة بين هذين الأمرين، لكي لا تتوقف الحياة، فعندئذ النتائج كلنا يعرفها!!