محمد بن رضا اللواتي
mohammed@alroya.net
المدينة التي تَنَام على هَمَسات المد، وتفيق على هُبوب الرياح الممزوجة ببقايا قطرات الجزر، باتت تئن من بؤر كوفيد 19! فالسفن العملاقة المحملة بالسياح من شتى مناطق أوروبا الموبوءة، قد ألقت مرساتها في بحرها، وسلك من كان على متنها في أزقتها، فأكلوا من المقاهي الموزعة على كورنيشها، ولمسوا الفضيات التي تمتلئ بها أسواقها، بل وصافحوا القلة القليلة المتبقية في سوق الظلام من تجارها العمانيين، وربما اعتمروا الكمة العمانية، لالتقاط "سيلفي" ثم أعادوها في أماكنها على الرفوف، وإلا، فإنَّ أول المتوفين من جراء هذا الفيروس -رحمه الله تعالى- ما غادر مطرح قط، وإنما أتاه الموت على أيدي أجنبية، فهل تأخرنا قليلا عندما اتَّخذنا قرار منع قدوم سفن السياح في مينائها؟ ربما نعم.
النظرة الديموغرافية لمطرح تكشف وجود عدد كبير من الوافدين فيها، وتحديدا من العمالة الرخيصة؛ فمنذ أن هجر العمانيون المطرحيون التجارة، وأسلموها للعمالة الوافدة، بحيث أنك ترى أغلب دكاكين مطرح تُدار من قبلهم، امتلأت الشقق الصغيرة جدًّا، والمحيطة بها، بهذه العمالة، وبنحو مذهل للغاية، فربما عشرة منهم يقطنون شقة واحدة بحمام! والمطلعون عن كثب على أحوالهم يذكرون أرقاما أكبر من هذه بكثير، لم أتمكن، حقيقة، من ذكرها لشدة استغرابي منها، ويؤكدون أيضا -أولئك المطلعون- أن كل 3 منهم ينامون على فراش واحد بنحو الورديات! تُرى، متى كانت زيارات مفتشي الجهات المعنية لهذه الأزقة والسكك آخر مرة؟!!!
أمام هذه الحالة، فإن التحدي البالغ الذي يواجه قرارات اللجنة العليا هو فيما إذا تم اكتشاف إصابة فئة منهم بالفيروس، أين سيتم عزل أولئك؟ هل نمتلك إجابة دقيقة عن هذا التساؤل؟ إننا، ما لم نوجد حلا لهذا المأزق، فإن فحص "بيت بيت" قد لا يكون مجديا كثيرا. هذه العمالة الوافدة، فضلا عن مستواها التعليمي الضحل، لا تمتلك مكانا يمكنها أن تعزل نفسها فيه، بتاتا.
بل قد يتعجب البعض إن علم بأنه ومنذ أن تعطلت الأسواق عن العمل، باتت جماعة من هذه العمالة تحديدا، يتضورون جوعا! العاملون في الجمعيات الوطنية التي هبت لنجدة الأسر المتضررة بمطرح، يؤكدون ذلك! وكأنهم لم يأتوا إلى عُمان بكفالة عماني، وكأنه لا مسؤول لهم كان يستتر تجاريا من خلالهم! لقد ألقاهم في فم الموت وما عاد يسأل عنهم بعد! فهل كان قرار عدم السؤال عن وضع إقامتهم القانوني، وغض النظر عنه، صحيحا؟ ربما لا!
هذا الأمر يتجاوز مطرح القديمة، ليلقي بظلاله على روي القديمة كذلك والحمرية أيضا، وإذا ما وضعنا نصب أعينا أن في حوالي 546 حالة تم اكتشاف وجود المرض بها، أغلبها من مطرح، وغالبيتها العظمى من العمالة الوافدة، فهل هذا يدفعنا إلى التساؤل عن مدى جهوزيتنا لعزل هؤلاء المصابين عزلا حقيقيا، بعدم السماح لهم، أولا، بالعودة إلى شققهم التي يقطنونها بمشاركة أعداد أخرى من زملائهم فيها، الله هو الأعلم بالعدد الحقيقي الذي يمكث معهم فيها؟ وثانيا، تجهيز بعض المواقف الكبيرة للسيارات، وتحويلها إلى ما يشبه وحدات العناية المركزة؟ بالتأكيد نعم.
فهل مرحلة التدرج الطويل ما عادت اليوم -في ظل تنامي الوعي الاجتماعي بخطورة المرض- تجدي كثيرا، وأن ما ينبغي القيام به، بات واجبا القيام به فورا؟ ربما نعم.
بنحو ما، ينطبق ما جاء ذكره عن أحوال العمالة الوافدة، على أحوال مجموعة كبيرة من الأسر العمانية في مطرح القديمة، فاليوم، يقوم مكتب سعادة والي مطرح، بالتنسيق مع جهات أخرى بالدولة وغيرها، لإغاثة أكثر من 4000 أسرة، والتي، لا سمح الله، إن ظهر في أفرادها المرض، فلن يكون عزلهم في المنزل ممكنا أبدا، لصغر أحجام المنازل، وقلة الغرف فيها والمرافق الصحية، وكثرة الأفراد الذين يعيشون تحت سقفها.
... إنَّ فرق الإغاثة تقوم بعملها على قدم وساق، وبود هؤلاء أن يجدوا أن فرق التعامل مع كوفيد 19 أيضا ستعمل، ليس فحسب بفحصهم فردا فردا، وإنما إيجاد حلول العزل لهم، خارج منازلهم الصغيرة، على أن يتم معالجة وضع هذه العمالة من زاوية ارتكازها في هذه المدينة تحديدا، وبالنحو الذي تعيش، هذا، حالما تُتاح فرصة شم الهواء دون ذعر لوجود بقايا الفيروس فيها.