سالم بن لبخيت محاد كشوب
مرت على العالم الكثير من الأزمات والمشاكل التي أحدثت العديد من التغيرات سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي ولكنها لم تنجح في كشف العديد من الفيروسات البشرية سواء على المستوى الشخصي أو الدولي على حقيقتها بحيث استمرت لعقود من الزمن وهي تمارس وتبدع في تمثيلتها على البشرية بكل احترافية بل وأصبحت أحيانا يضرب بها المثل في الاقتداء والسير على نهجها وهي في الواقع أشد فتكا من الأزمات التي اجتاحت العالم خلال الفترات الماضية.
كثير منا انخدع بالسياسات والأنظمه الأوربية والعالمية التي كنا نرى فيها أنها مثال حي على الديمقراطية وحب واتباع النظام ومعاقبة المخالفين والحرص على سلامة مواطنيها وبذل الغالي والنفيس من أجل هذا الهدف وتسخير كافة الإمكانيات من أجل رفعه وتطور مجتمعاتهم في مختلف المجالات وأن الإنسان هو هدف الجهود التي تبذلها هذه الأنظمة والحكومات إلا أنه ومع استمرار فيروس كورونا وما صاحبه من انتشاره في مختلف دول العالم كشف لنا الوجه الآخر والحقيقي لهذه الدول والأنظمة.
كورونا أثبت لنا أن المواطن في هذه الدول ليس له أي قيمة إلا بما يملكه من قدرات مالية وفئة كبار السن أصبحت خارج نطاق الاهتمام والرعاية بحجة واهية أن ليس من المجدي استمرار الاهتمام بها ومجرد مبالغ مالية مهدرة على هذه الفئة ضاربة بعرض الحائط بكل ما تشدقت به مسبقاً بأهمية توفير الرعاية الصحية للجميع وأنه حق وواجب إلزامي على الحكومات لكافة فئات المجتمع وتلك العبارات والتصريحات الرنانة التي كان يعاد نشرها من باب ضرب الأمثلة على اهتمام الغرب بمواطنيه أصبحت مع كورونا من الماضي وليس لها تطبيق على أرض الواقع حاليا في هذه الدول .
حقيقة أخرى لا تقل مراراتها عن الأولى وهي ما شاهدناه من تنافس وصراع محموم بكل ضراوة على بعض المستلزمات الطبية بين الدول بدون أي مراعاة للاتفاقيات وحقوق البيع والشراء واتباع نظام السرقة والقرصنة الدولية ليس من قبل اللصوص وإنما حكومات بعض الدول الغربية والولايات المتحدة بحجة أن مواطنيها هم الأهم وأصحاب الأولوية لهذه المستلزمات والحقيقة هي تحقيق أكبر قدر ممكن من الأرباح المالية على حساب المواطن بخلاف اتباع سياسة المزاد لبيع السلع الضرورية دون أي مراعاة للظروف التي تمر بها مختلف الدول وحقها في الحصول على ما تحتاجه من مستلزمات وفق نظام وأسعار متفق عليها مسبقا وليس من خلال مزاد مفتوح يتم فيه استغلال قدرات الدول المالية فأين ذهبت النداءات والمطالبات بأهمية احترام العقود والاتفاقيات المبرمة بين الدول والالتزام بها ومعاقبة المخالفين لتلك الاتفاقيات فبالتالي ظهرت العديد من الأنظمة التي كانت تدعي الديمقراطية وتنادي دائمًا بتطبيق هذا المفهوم بصورته الحقيقية التي تعبر عن حب الذات والمصلحة الشخصية عكس ما كانت تظهره خارج محيطها.
ما شاهدناه في كثير من الدول الأوربية من تدافع كبير على المتاجر بشكل لا يدل على النظام واحترامه والهمجية الكبيرة في ذلك والخوف والهلع الذي أصاب مواطني هذه الدول من اختفاء السلع أو ارتفاع أسعارها يدل على أن الحرص على توفير كافة احتياجات المجتمع والمحافظة على كرامته وقيمته والالتزام بالنظام مجرد أكذوبه انكشفت على حقيقتها في زمن فيروس كورونا وأظهرت ألا نظام أو حرص على توفير احتياجات المواطنين وصون كرامتهم وأمنهم المعيشي وإنما شعارات مزيفة وحقيقة كشفت لنا واقع الأنظمه في هذه الدول.
على عكس دول العالم الأول والصفوة والريادة في كل المجالات والتي كان يشد إليها الرحال من أجل الاستفادة من تجاربها والتعلم من خبراتها والتي أثبت فشلها وعدم اهتمامها بمواطنيها والتملص من واجباتها وجعلهم يواجهون هذا المصير لوحدهم هبت دول الخليج لمساندة المواطنين والمقيمين وتسخير كافة الإمكانيات من أجل توفير كافة المستلزمات اللازمة والضرورية والعمل على إرجاع مواطنيها في الخارج وتوفير مختلف التسهيلات اللازمة دون الاهتمام والتفكير بالتكاليف الباهظة لهذه الإجراءات والخطوات المتبعة على الرغم مما صاحب هذا الفيروس الغامض من انخفاض حاد في أسعار النفط الذي يعد المصدر الرئيسي لدخل هذه الدول لكن ظل المواطن هو هدف التنمية والرقم الصعب الذي من أجله تسخر كافة الجهود والإمكانيات وهذا ما يجعلنا نشعر بالفخر أمام هذه التضحيات المقدمة وضرورة الوقوف والتضحية من أجل الوطن الذي لم يبخل علينا بأي شي وعدم الانجراف وراء أكاذيب دول الغرب التي أثبتت أن المواطن لديها مجرد سلعة بأي وقت يتم الاستغناء عنه ببرودة دم دون أي اعتبار.
في الأخير من الأهمية بمكان الاستفادة من هذا الدرس في العمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي في الكثير من القطاعات المهمة للمجتمع والاعتماد على الصناعات الوطنية ورفع مساهتمها ودورها الاقتصادي وتقليل الاعتماد على الاستيراد الخارجي فكلنا رأينا ما حصل للعالم من غلق للحدود ورفع للأسعار بصورة جنونية وأعمال قرصنة وسرقة للبضائع من قبل بعض الدول دون أي مراعاه للقوانين والأنظمة الدولية التي تبخرت أثناء هذه الأزمة.
من أقوال المهاتما غاندي " كثيرون حول السلطة وقليلون حول الوطن".