الله كريم

حسن بن علي العميري

@HassanAlOmairi

"الله كريم".. قالها عامل محطة الوقود، وهو ينظر إليَّ شَزَراً (أو هكذا بدا لي)، بعد أن مد إليَّ يده بجهاز الدفع الإلكتروني، لإدخال الرقم السري، فامتنعت، معللا ذلك بفيروس كورونا!

نَظَر إليَّ بغيظ وأنا أُملِي عليه الرقم، ثم أعاد جملته تلك مرة أخرى، ولسان حاله يقول: إذا كان هذا حالكم أنتم أيها (المتدينون)، فما أبقيتم لغيركم؟!

الله الكريم هو الذي يقول: "ولا تُلقوا بأيديكم إلى التهلكة".. إنه يأمرنا بالتوكل عليه، والأخذ بالأسباب.

صمت لبرهة، كأنه لا يدري ما يقول، ثم لم يجد غير عبارته الأولى ليعبر بها عن فكرته أو حالته: الله كريم!!

لقد ذكرني هذا الموقف، بموقف آخر كنت منه على النقيض تقريبا، حدث أيام انتشار فيروس (H1N1)؛ فبينما كان أحد زملائنا متخذا أقصى الاحتياطات حَذَرَ الفيروس، في المكتب وفي البيت؛ كنت -لأمر ما- غير مكترث كثيرا بما أسمعه وأقرأه من الاحتياطات الواجب اتخاذها إزاءه.

كان هذا قبيل العيد، وكان من عادتنا فيه أن يُحَيِّي بعضنا البعض، في مصلى العيد، ليس باليدين فحسب، وإنما بالأنوف أيضا!

انقضت الإجازة ورجعنا لأعمالنا، فإذا زميلنا هذا قد أصيب بشيء مما كان يحاذره -على رغم ما اتخذ من احتياطات- وإذا أنا -الذي لم أحتط بشيء مما اتخذ- سليم معافى، ولله الحمد!

والخلاصة من هذين الموقفين؛ أنه في غمرة التحذيرات من هذا الفيروس والتحليلات التي تتناول أصله وفصله، وفي جدلية ما ينبغي علينا تجاهه -انطلاقا من مدى فهم كل واحد منا لمقتضى الآيتين الكريمتين: "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" و"قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا"- في خِضَمِّ هذا كله؛ أُحِبُّ لي ولكم الحذر العاقل الحكيم، حيث لا تهويل ولا تهوين، وإنما هو اختيار وسط يصلح لأمثال هذه الحالة، المتشابهة والمحكمة، في وقت واحد!

اختيارٌ يقينا وأهلينا ومجتمعنا المرضَيْن: مرض الفيروس، ومرض النفوس؛ ويحملنا -في الوقت ذاته- على تفهم ما يقع علينا من مسؤولية دينية ووطنية وإنسانية.

وعودةً مرة أخرى إلى عامل المحطة المذكور أول هذه السطور؛ فقد لقيته مرة أخرى بعد نحو أسبوع من لقائي الأول به، وقد وجدته يغطي يديه بقفازين، فسألته عنهما، فقال: إنه مُتطلب السلامة.. ثم استطرد، وكأنه خشي أن أفهم عنه غير ما قاله المرة الفائتة: إنه ليس خوفا من (كورونا).. إنني أخاف الله وحده. فابتسمت وأجبته أن كل شيء بيد الله، وأن هذا ما أعنيه منذ البداية، وهذا هو مقتضى التوكل. فانصرف راضيا على غير ما انصرف عليه من قبل.

إنَّ العافية أَحَبُّ إلى كل امرئ عاقل، وإن الوقاية خير من العلاج، وإننا بهذا كله نحفظ على وطننا مقدرات النظام الصحي فيه؛ فلنلتزم بتعليمات الجهات المختصة، وليكن لنا من الحكمة والبصيرة في النظر إلى مآلات الأمور ما نساعد به أنفسنا ومجتمعنا..

حفظ الله الجميع، وجعل عُمان آمنة مطمئنة...،

تعليق عبر الفيس بوك