أنيسة الهوتية
أفكار.. وأفكار.. وأفكار.. من هُنا وهناك، أفكارٌ متناقضة حسب تفكُّر المتفكرين بها، واختلاف طبقات العقول الاجتماعية وثقافاتها المتلونة الجميلة، والبيئات التي باختلافها تخلق جمالاً حِسيًّا، ولو كانت كل الأفكار والثقافات متشابهة لما كان أحد يُبهِر الآخرَ باختلافِ فِكرهِ وخيالهِ الواسع، خاصة تلك الأنواع المضاف إليها نكهات فكاهية، بينما هي تحمل في طياتها سوداوية عتماء مغلفة بألوان قوس قزح البَراقة.
ومِن هذه الأفكار الفكاهية: فكرة زميلي "جيري" من كانتربري - إنجلترا، حين قالَ وهو يضحك بأن "ترامب" حاول قتل ملكتنا بإرسال وفد سياسي جعلهم يخالطون مصابين بفيروس كورونا، حتى تصاب ولأنها كبيرة في العمر توقع بأنها لن تنجو! ولكن سيموت "ترامب"، و"إليزابيث" ستعيش لأن هذه العجوز عاشرت الحروب العالمية والطاعون وأخطر الفيروسات التي أودت بالعالم؛ فبالتالي هي تعرف كيف تحمي نفسها من الإصابة، ولن تموت إلا بعد أن يرسل المسيح لها رسالة يطلبها أن تأتي إلى السماء بصيغة أمر.. قائلا: "أليزابيث، تعالي حالاً".
وسألته مُمازحة، وما أدراك بتلك المؤامرة؟ قال: إذن فسِّري لي إصابة بوريس وبعده الأمير تشارلز؟ فكلاهما أصيب بعد لقائهما بوفد سياسي أمريكي. ولا تتوقعي بأن تسمعي عن ذلك في الإعلام، فهناك دائماً أمور مخفية!
وآخر جملة له جعلتني أفكر، ثم أفسر بأنَّ ليس كل ما ينشره الإعلام صحيح، وليس كل ما لا ينشره غير صحيح!
ومن أحد الحوارات الأخرى مع زميلتي من مسقط، حين قالت إنها مُقتنعة قناعة تامة بأن فيروس كورونا جندي من جند الله تعالى، فقد أتى ليعلِّم الناس الطهارة، ويلم شمل الزوج بزوجته وأبنائه، والأخ بإخوته، بعد أن أخذتهم الحياة عن بعضهم البعض، فإنها سعيدة جدا ببقاء زوجها معها في البيت!
وبنفس اليوم، حوار مع زميلتي في الجنوب؛ حين تقول إنَّ هذا الفيروس بلاء ومن جنود إبليس اللعين؛ فقد شتت شمل العوائل ولم يعودوا يصبروا على الوضع، خاصة مع عدم زيارة الوالدين ورؤية الإخوة والأخوات والأصدقاء والجيران إلا بالواتساب، وبأنَّ وضع زوجها أصبح لا يُطاق؛ فهو كثير الشجار في البيت معها ومع الأبناء!
وهنا.. بعد الاستماع إلى تجربتين مُختلفتين، اقتنعت أن كل فرد يغرد أفكاره حسب تجربته الشخصية التي تبني له قناعاته الإيجابية أو السلبية حول الوضع، ويتفلسف بناءً عليها، فإذن ليس كل ما نقرأ ونسمع من تغريدات لتجارب شخصية تكون صحيحة 100%؛ فهي تطابق مجربها وليس العالم!
وهنا.. تبدأ نقطة الاختلاف في الرأي بالاحتكاك، والذي لا يجب أن يفسد للود قضية.
وفجأة.. تذكرت شخصًا كان ينتقد الإنترنت ووصفه بهادم اللذات الاجتماعية، وأردت استفزازه ممازحةً لأقول له انظر إلى "متهمك البريء"، لو لم يكن موجوداً لما عرفت الناس كيف تطمئن على بعضها البعض مع الحجر المنزلي، وأيضاً لما علموا مستجدات كورونا ووسائل الوقاية منها.
ولأنني أراعي مشاعر الناس قبل أفكارهم، لم أفعلها.
أما عن المقالات الاحتجاجية في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي حول إقفال المساجد، ومنع الحج والعمرة لهذا الموسم، في ظل الأزمة الحالية ووصف تلك القرارات بالظلم!! رأيتني مستغربة من وصف أهل الصلاة والعبادة لتلك القرارات بالظلم، والتعدي على حدود الله!
كورونا مرض لا يختلف عن الطاعون، فإذن ستتشابه القرارات الحالية مع القرارات التي اتخذها الصحابة، والتابعون، والسلف الصالح في الظروف المشابهة! وهي بالتباعد الاجتماعي لحفظ الإنسان والبشرية وليس لمنع العبادة. قال الله تعالى في سورة البقرة (آية 186): "وإذا سألكَ عِبادي عني فإني قَريب أجيب دعوة الداعِ إذا دعانِ".