لماذا يريدنا " كورونا" أن نجلس بالبيت؟!

 

بقلم: سيف بن سالم المعمري

Saif5900@gmail.com

لم يكن أكثر المتشائمين في العالم يتوقع أن يأتي هذا اليوم الذي أصبح لا حديث في الكرة الأرضية يعلو على جائحة كورونا "كوفيد-19" والذي أثر ولا يزال وسيستمر ليس على إعادة تنظيم القطاعات الصحية في العالم بل حتى على سياسات الدول وعلاقاتها بين بعضها البعض والقطاعات الاقتصادية ونحوها.

 وبرغم الاختلاف والخلاف بين شعوب ودول العالم في الكثير من الأمور، إلا إن "كوفيد-19" وحد الجميع في كل شيء، فهو لم يستثني الدول الغنية من الدولة الفقيرة، نعم جاء "كوفيد-19" ليكبل العالم أجمع في سلاله، ولتتوحد النداءات بأنه لا أحد مستثنى من أكباله، ولا حد يأمن مكره، فهو لا يُرى، ولا تُسمع خطواته، ومن عزم على تكبيله، يمسكه بيديه، وكأنه يقول له: يكفيك يا بني الإنسان ما اقترفته يداك تجاه بني جنسك، وتجاه كوكبك، وتجاه سائر مخلوقات الله على أرضك، ها أنا أيها الإنسان أتيت لأكبلك من يديك، ولتكون عينيك، وأنفك، وثمك، سبيل لي لأقطع أنفاسك عن العالم، وأن استطعت أن تنفلت من بين يدي، فلتتذكر ما أنت عليه من نعم ولتعيد حساباتك.

جاء كورونا بضجيه الذين دانته إليها الحكومات من الصين شرقا إلى الأمريكيتين غربا، وبدون بروتوكولات رسمية، وليفرض نفسه على الجميع ضيفا ثقيلا لا أحد أستطاع حتى الآن أن يوقف شراسته على العالم، ولم تنفع الترسانات النووية ولا معاهد الدراسات الاستراتيجية ولا الصحية أن تجد له مصل لإخماد ثورته.

وتوحدت نداءات حكومات العالم –ولأول مرة- على كلمة سواء لمجابهة العدو الصامت، بعبارة "خليك في البيت"، كناية عن عدم استطاعتها-حتى الآن- ترويض كورونا، وليكون كل إنسان مسؤولا أولا عن سلامته وضمان حياته، وحياة الآخرين من حوله.

ولسان حال كورونا "كوفيد-19" يقول لنا :"خليك في البيت"، لترى أيها الإنسان هذا الكون الفسيح من خلال ضغطة زر، ولتعلم أيها الإنسان إنك مهما تعاظمت قوة البشر فإن قوة الله فوق كل شيء، فلا سبيل لكل إنسان إلى الاستسلام أما الأمم المتقدمة بحجة إن هناك دول عظمى مدججة بأعتى التقنيات العسكرية والأمنية، ولديها الأموال الطائلة، وهي في رغد من العش، ولا سبيل إلى هزيمتها، فقد عرى "كوفيد-19- تلك المهابة الأزلية وذلك الزيف المظلل.

ولا يزال كورونا ينصحك، ليقول لك أيها الإنسان: "خليك في البيت" لتتذكر نعم الله عليك، لتتذكر كم هي النعم التي تتفيأ ظلالها في وطنك الآمن المستقر، وطنك الذي لم يشعرك يوما إنك تواجه عدوا يريد أن ينقض عليك، وطنك الذي لم يقيد حركتك من البيت وإليه، ومن حيث شئت تيمم بوجهك المشرق أو المغرب، وطنك الذي تنعم بخيراته وعليك أن تحافظ عليه، فلا أحد سيطعمك ولا يسقيك ولا يدثرك من برودة الشتاء ولهيب الصيف سوى وطنك.

"كورونا" يريد أن يقولك لك تذكر أيها الإنسان: نعم الله عليك في عافيتك لا تعد ولا تستقصى، فأنت بين أحبابك وخلانك تتنقل بينهم متى شئت، فالخروج من البيت نعمة، والرجوع إليه بسلام نعمة، والذهاب من مكان إلى آخر نعمة، والذهاب إلى المسجد وإلى الحرم وإلى مجالس الأصدقاء والخلان نعمة.

"كورونا" يريد أن يقولك لك أيها الإنسان: كم تحججت بانشغالاتك، وبكثرة سفراتك، واهتماماتك، والآن.. خليك في البيت مع أعز أحبابك ووالديك، وإخوانك، وزوجتك وأبنائك، اعرهم مزيدا من اهتمامك، أجلس معهم للحوار والنقاش، والتربية والتوجيه، فلطالما تناسيتهم؛ بحجة أعمالك.

"خليك في البيت" لتقرأ كتابا مفيدا، ولتشاهد قصة إنسانية مأثرة، قد تكون زادك لما بقى من عمرك، لتسدد وتقارب، وتوازن اهتماماتك، ففي البيت سعادتك، ولتتذكر أولئك الذين نذروا حياتهم وخاطرو بحياتهم وضحوا بأوقاتهم من أجل حياتك، فكلهم منشغلون لضمان سلامتك، بدء من سلطان البلاد-حفظه الله ورعاه- والقائمون على متابعة الجائحة والأطباء والفئات الطبية والمخلصون كل في مجال، من أجل ذلك يقولون لك : "خليك في البيت"..