يوسف بن حمد البلوشي
yousufh@omaninvestgateway.com
لماذا تنجح دول في ارتقاء سلم التنمية مع محدودية مواردها؟ ولماذا تخفق دول أخرى في ذلك على الرغم من توافر كل الموارد لديها؟ هذه الجدلية تسوق معها العديد من الاستفهامات الأخرى منها على سبيل المثال لا الحصر: لماذا تنجح خطط بعض المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية والشركات المملوكة للدول في تحقيق أهداف تنموية تعاضد جهود حكوماتها وتقود تنمية كاملة. ولماذا تخفق أخرى؟
قد تكون الإجابة في عدد من الاعتبارات: أولها: قيمة القيادة وأهمية التفريق بين من يتولى ومن يقود. ونقصد بقيمة القيادة/الإدارة مجموعة القيم في مواقع القيادة ومن يشغلها؛ فالقيادة المستمدة من قوة السلطة تعنى بالحفاظ على المكاسب المتحققة من المناصب، وعادة ما يمتلك شاغلوها مهارات عالية في التنظير وإيجاد المبررات والأعذار لحالات عدم الإنجاز، ويستخدمون مفردات ومقاربات معلبة على رفوف السياسة كالمصلحة الوطنية والتحولات الجيوسياسية والأمن والنهج الإستراتيجي... وغيرها، مُوجَّهة نحو كسب التعاطف وتمكين الأمية المجتمعية عند فئات معينة، في موضوعات محددة.
أمَّا الذين يستمدون قوة القيادة من واقع الكفاءة، فتكون محطَّ عنايتهم تحقيق النقلات النوعية في جميع مفاصل التنمية والتحول بها من الوضع القائم إلى الوضع المنشود، ويتفرغون لهذه المهمات تاركين شؤون تسيير الأعمال ومخاض الإجراءات لمن يتمتعون بمهارات الإدارة لا القيادة. وهم -أي القادة- يمتلكون مهارات تمكنهم من بناء فرق عمل واستنهاض وحشد هممها للتعامل مع التحديات مهما عظمت، وابتكار الحلول في أحلك الظروف، كما يعملون بشغف وطاقة كبيرة قد تدفعهم -أحيانا- لتجاوز قواعد وإجراءات البيروقراطية لتحقيق مصلحة وطنية عليا.
الاعتبار الثاني بعد قِيمة القيادة، يكمُن في المعرفة الحقيقية بأهمية البرامج والمبادرات المطبقة وأثرها على المستوى الكلي وترابطها مع باقي المتغيرات، وتمكين تماشيها مع أفضل الممارسات والتجارب العالمية. والشجاعة في اتخاذ القرار تجاه تغيير مستهدفاتها أو حتى الاستغناء عنها مواكبة لتغير الاحتياجات الوطنية. ومن المهم أن تتحلَّى هذه المبادرات والبرامج بديناميكية كبيرة حسب معطيات كل مرحلة تنموية، فلكل مجتمع نسيجه واحتياجاته التي تختلف في كل مرحلة من مراحل نموه.
ثالثاً: قدرات القائمين على هذه المبادرات والبرامج، والتفريق بين من ينفذها ومن يرعاها، ومن يخطط لها ومن يُعنى بتحقيق مستهدفاتها، ومدى تنفيذها وفق إطارها المنهجي بعيدا عن الشخصنة التي تتبدل فيها النتائج بتبدل الأشخاص. أما رابع الاعتبارات؛ فهو: ضيق النطاق الذي تشمله هذه البرامج والمبادرات وتقوقعها في فئات وقطاعات دون اعتبار لكلية الهدف التنموي الأكبر.
وأخيرا فإن حال هذه المبادرات والبرامج والمؤسسات القائمة عليها كغيرها من ممكنات التنمية، تتطلب تضافر منظومة متكاملة يُسهم فيها جميع الفاعلين ولن تنجح بالعمل في جزر منعزلة. خاصة إذا كان الحديث عن هدف وطني وتحول في نسق وطور التنمية، مما يتطلب تغيرات مهمة في عناصر الإنتاج بالمجتمع بدءا بالإنسان وأهمية إيمانه بقيم الإنتاجية والادخار وريادة الأعمال وتغيير أنماط سلوكه. وكذلك رأس المال والدور الجديد للبنوك وشركات التمويل لإعادة توجيه الائتمان والمدخرات إلى القطاعات الإنتاجية.
إنَّ من يَمتلك الأفكار الجديدة لتنويع القاعدة الإنتاجية وخلق فرص العمل سيكون قائدا تنمويا في المرحلة المقبلة الحاسمة، وفي أي قطاع ومع فهم شمولي للاقتصاد وروابطه الأمامية والخلفية والتأثير المتبادل بين متغيراته؛ ذلك أنَّ ضعف وهشاشة الاقتصاد دائما ما ترتبط بالعديد من العناصر التي تتقدمها القيادة الاقتصادية وعدم وضوحها، فضلا عن ضعف القطاع الخاص واعتماده المفرط على الاستيراد والعمالة المتدنية المهارة، وتراجع بيئة ومناخ الأعمال وتدني التصنيف الائتماني وضعف الاندماج والتعاون الدولي... وغيرها من العناصر المتشابكة وذات التأثير المتبادل. والفيصل دائما -بلا خلاف- هو الفهم الحقيقي والشمولي للاقتصاد.