نقش أو رقم!

أحمد بن سالم الحوسني

لكل عُملة معدنية وجهان: نقش ورقم، والوجهان يعبران عن العملة ويحكيان حقيقتها. وكل عملة تقع أمام ناظريك لها وجه ظاهر يبدو لك ولها وجه باطن إن علمت به زدت إدراكا ومعرفة، وإن لم تعلم به قصرت عن إدراك كنه تلك العملة، أو القانون الذي تستمد منه قوتها.

كورونا شأنه شأن كل أمور الحياة لها وجهان: وجه ظاهر يتعلق بالمعلومات المادية: ماهيتها، سببها، مظاهرها، تأثيرها، طرق الوقاية منها، كيفية انتقالها، خطورتها، البحث عن علاجها، وهكذا. ولها وجه باطن هو الوجه الغيبي الإيماني مرتبط بتقديرها من الله الذي قدرها وأذن بها وخلق فيروسها وأرسلها وأعطاها قوتها وتأثيرها والقادر على منعها وسلب قوتها.

إنْ نظرت لكورونا من وجه واحد فقط لربما أفسحت لها طريقا لتتغلب عليك وتنال منك أو من أحبابك، أو من أبناء بلدك؛ الأمر شأنه شأن من يعلم جيش عدوه البري ويستعد لمقارعته ولا يعلم شيئا أبدا عن جيش العدو البحري القادم إليه من ورائه!

أنْ تُجابه الفيروس بالطرق المادية البحتة دون اللجوء إلى الله والاستعانة به والتضرع إليه بالذكر والدعاء ودون ثقة منك بالله وحسن الظن والرجاء به ربما أودى بك إلى أن ترمي الراية وتستسلم مبكرا، وتقول: لا طاقة لنا اليوم بكورونا وجنوده. ولن يخطر ببالك أنه "كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله".

ورُبما استعددت له جيدا ورأيت أنك قد حاصرته ولا مجال له البتة حتى خيل إليك أنك لن تغلب اليوم من قلة، ولن يمر بذهنك: "إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم من الله شيئا". ولن تعلم أنك ربما أوديت نفسك إلى وضع "ضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين".

وأقل ما في الأمر أنك استغنيت عن أقوى حليف لك؛ حليف يمكن أن يمدك "بجنود لم تروها"، حليف يمكن أن يعزز المعنويات ويرفعها بأن "يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا"، حليف "ليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام"، حليف يمكنه أن يبيد الفيروسات "فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم"، حليف يمكنه أن "ينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان" حليف "يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء"، حليف لا يكون النصر إلا من عنده. "وما النصر إلا من عند الله".

أما إن كنت تنظر إلى الوجه الآخر من العُملة، ولا تلتفت للوجه الأول فأنت أيضا على خطر؛ لأن الله الذي تدعوه وتلجأ إليه وتذكره، هو من أمرك بأن تأخذ بالأسباب وأن تعد العدة "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة". وهو من لم يجعل لك عذرا لو قلت لو شاء الله ما أصابنا الفيروس وقد أقحمت نفسك للتعرض له، "سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا". وهو الذي أمرك أن تنصره أولا بأفعالك واستبسالك حتى يمنحك نصره "إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم". وهو من أمرك بأن تثبت وهو ما يقتضي منك أن تفعل كل ما من شأنه تقويتك وتثبيتك في المواجهة بما في ذلك الأخذ بكل الأسباب والطرق التي تستطيعها، "إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون". وهذه الآية كما ترى تجمع بين وجهي العملة وتقرر أنهما سبب الفلاح معا.

... إن من حُسن الانتباه للوجه الأول أن تجتنب أسباب انتقال العدوى من المصافحة والملامسة والمخالطة وغيرها، وأن تأخذ بعوامل الوقاية من غسل اليدين ولبس الكمامات واتباع التعليمات والمكوث بالمنزل وغيرها.

ومن حسن الانتباه للوجه الآخر أن تجتنب ما يسخط الله من غفلة أو إعراض أو عدم خوف أو عدم رجاء، أو معصية أو تقصير في جنبه تعالى. وأن تأخذ بعوامل الوقاية من ذكر وتذكير وصبر وتصبير وخشية وارتجاع، وصدقة وبر وغيرها من سبل الخير.

إنَّ الجمع بين الوجهين سيقوِّي عزمنا، ويبارك جهدنا، ويمكننا من المقاومة، ولربما أمدنا الله بإلهامات في الوقاية والعلاج وجنود لا نراها أو نحسب لها حسابا، ووفقنا للنصر وكشف الغمة.

وفَّقنا الله وإياكم وجعلنا من المفلحين، ووقانا وإياكم شر الوباء والبلاء.

تعليق عبر الفيس بوك