سالم بن لبخيت كشوب
على الرغم مما سببه فيروس كورونا من خسائر اقتصادية وصحية كبيرة وصلت إلى مليارات الدولارات ومئات الآلاف من المصابين وشل للحركة الاقتصادية بين الدول، وعزل الدول عن بعضها للتقليل من تفشي الفيروس، الذي لم يُكشف إلى الآن عن سببه ومصدره، غير أنه كشف الكثير من المستور سواء على المستوى العالمي أو على المستوى الوطني داخل الدول.
فعلى سبيل المثال، الاتحاد الأوروبي الذي طالما كان مضرب المثل في الوحدة والاتحاد بغض النظر عن الدين والثقافة والعادات والتقاليد المختلفة بين الدول الأعضاء في هذا الاتحاد الذي أثبت أنه هش؛ حيث فشل في اختبار مواجهة فيروس كورونا من خلال صمته غير المبرر عن مد يد العون والمساعدة لبعض الدول الأعضاء والمؤسِسة له مثل إيطاليا، والتزم الاتحاد بالمشاهد غير المبالي لما يحدث لهذه الدولة ولم يبادر إلى تقديم المساعدة لها وقت أزمتها، بل على العكس؛ كانت فرصة استغلتها بعض الدول لمساعدة إيطاليا كالصين، فيما يبدو أنها رغبة صينية لإيجاد مناطق نفوذ جديدة مستقبلا بدون طلقة نار أو خسائر بشرية وعسكرية.
كما رأينا بعض الدول الغربية التي كانت تتغنى بحرية الفرد وأهمية توفير الصحة والعلاج له تتخلى عن مواطنيها في هذه الظروف، وضربت بما كانت تنادي به عرض الحائط واهتمت فقط بالجانب الاقتصادي البحت، مع إغفال الجانب الإنساني، فكان لهذا الفيروس دور كبير في إظهار الحقيقة الغائبة عن الكثير من البشر الذين خُدعوا بمثل هذه التصريحات واعتبروها مثال من المفترض الاقتداء به.
أما على المستوى المحلي للسلطنة، فقد كشفت لنا هذه الأزمة الكثير من النقاط وعلمتنا العديد من الدروس التي لا بد من الاستفادة منها وإعادة ترتيب الكثير من الأولويات؛ سواء على مستوى الأفراد أو الدولة التي نثق أنها سوف تستفيد من الأزمة، ولا بد من الوقوف معها في مختلف الإجراءات المتخذة مستقبلا للتكيف مع تبعات هذه الأزمة التي عصفت بالعالم. فعلى مستوى الأفراد مما لا شك فيه أنه سوف تتغير الكثير من عادات الاستهلاك وأوجه الإنفاق والتركيز على الأولويات المهمة والاستغناء عن بعض الكماليات، وكذلك الاستفادة من التقنية في الكثير من متطلبات الحياة.
هنا نضع تساؤلا مهما: هل ستكون الجهات المعنية بالتقنية والاتصالات على مستوى الآمال والتوقعات من ناحية توفير البنية الأساسية القوية ذات الأسعار المحفزة للتوجه نحو التسوق والعالم الإلكتروني والعمل عن بعد؟ أم ستكون حجر عثرة لهذا التوجه؟
ورغم أننا نواجه هذه الأزمة في ظل تكاتف مجتمعي متوقع ولحمة وطنية قوية، لكننا رأينا عزوفا وخجلا وهروبا من بعض كبار رجال الأعمال الذين لم يردوا بعض الجميل والدين لهذا الوطن بعدما استفادوا من خيرات الوطن خلال عقود مضت ولم نرَ منهم مبادرات ملموسة على قدر الآمال والتطلعات التي كانت معقودة عليهم، وكشف لنا أن الوطن والوطنية تقاس وقت الأزمات بالمبادرات التي لا تنتظر أي دعوة أو رسالة، وإنما من باب الحس الوطني والاستشعار بأهمية رد جزء من جميل الوطن عليهم، إلا أنهم للأسف فشلوا في هذا الاختبار، فعندما تبرع حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- من بمبلغ 10 ملايين ريال عماني لحساب الصندوق المخصص لمواجهة تفشي فيروس كورونا وقبلها بمبلغ مماثل لصندوق الأمان الوظيفي، توقعنا أن تكون لهذه المبادرة السامية ردة فعل إيجابية من قِبل كبار التجار والشركات التي استفادت على مدى عقود النهضة المباركة، لكن للأسف لم تكن التوقعات بنفس الآمال، مع شكرنا وتقديرنا لمن ساهم وتبرع في هذه الصناديق سواء من مواطنيين أو مستثمرين أجانب في السلطنة أو شركات، وذلك من باب الحس الوطني والإنساني تجاه عماننا الغالية، وبالتالي علينا أن نعيد النظر فيمن تخاذل عن مساعدة الوطن أثناء الأزمة وفضّل مصلحته الشخصية على المصلحة الوطنية.
لقد أكدت لنا أزمة فيروس كورونا أن الاعتماد على مصدر دخل واحد أصبح غير مجدي، وما نشاهده حاليا من هبوط حاد في أسعار النفط لدرجة نها تصل إلى أقل من مستوى التكلفة الحقيقية للإنتاج، يدفعنا إلى أهمية وضرورة الإسراع في خطط تفعيل مساهمة القطاعات غير النفطية والعمل على توفير البيئة المناسبة المحفزة، وكلنا ثقة في قدرة وتوجه الحكومة لتفعيل هذه القطاعات التي يعوَّل عليها الكثير خلال المرحلة المقبلة؛ سواء من خلال سن التشريعات والقوانين المحفزة والمسهلة والابتعاد عن البيروقراطية وتوفير البيئة المحفزة للحكومة الإلكترونية وإنجاز الأعمال والمعاملات بشكل سريع وسلس، مما يحفز الإقبال والتوجه نحو الاستثمار وتعظيم العائد والمردود في هذه القطاعات الواعدة، أو من خلال العمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي في العديد من المنتجات والسلع والاستفادة من الموقع الاستراتيجي للسلطنة وعلاقاتها الخارجية الممتازة في جلب المزيد من الاستثمارات والتقنيات الحديثة التي تساهم في تفعيل ورفع مساهمة القطاعات غير النفطية.
إن القطاع الخاص وقطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة يمكن تفعيل دوره المهم في الاقتصاد الوطني سواء من خلال مزيد من فرص العمل أو تطوير صناعات وطنية تساهم في الاكتفاء الذاتي للعديد من السلع والمستلزمات والتصدير الخارجي وفتح أسواق جديدة للمنتج الوطني، لكن في الوقت نفسه لا بد من مزيد من حزم التسهيلات والحوافز؛ سواء من ناحية التشريعات والإجراءات المحفزة للعاملين أو المقبلين على التوجه نحو هذين القطاعين ومزيد من التسهيلات والحوافز المالية المقدمة، مع إسناد أكبر للأعمال والمناقصات للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
أخيرا.. أحيانا تخدمنا أوقات الأزمات في تخطي التحديات، رغم تبعاتها المالية الفادحة إلا أنها تسهم بدور مهم في إعاده ترتيب الأولويات والخطط والبرامج، وتكشف أوجه الخلل ونقاط الضعف، وأهمية العمل على الاستفادة الإيجابية من الموارد والقطاعات غير المستغلة التي بإمكانها أن تسهم بدور فاعل في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فمن رحم الأزمات يمكن الاستفادة من هذه الدروس واقتناص الفرص المتوفرة، وليس الاستسلام لها، ولنا في التجربة السنغافورية أو الفيتنامية أو الماليزية الكثير من الدروس والعبر.
وأختم بالاستشهاد لأحد أقوال رئيس وزراء ماليزيا السابق مهاتير محمد عندما قال: "عندما أردنا الصلاة توجهنا صوب مكة، وعندما أردنا بناء البلاد توجهنا صوب اليابان".