قصة قصيرة

قربان

طفول سالم المشيخي

رمى بقطعة حجر داخل جذع شجرة مجوفة؛ فأحدثت ضجيجاً كأنه نعياً، فهرب الفتى مبتعدا واختباء خلف ظهر أخته وردة التي لا تكبره الا بعامين فقط... ملامحها مرهقة من العمل المنزلي الذي أوكلته لها زوجة أبيها. نظرت إليه بعطف وحنان وأمسكت رأسه قائلة لا تكرر فعلتك فقد توبخنا زوجة أبينا رفع رأسه مبتسما وقال إنها شجرة شريرة صدقيني يا أختي. عادت إلى انشغالاتها وقالت إذن لا تقترب منها ولم تزد على ذلك كلمة.

مسعود ينفض التراب عن قميصه، وأخذ يبتعد عن أخته، كان عمره ثلاث سنوات نحيف الوجه، دقيق الملامح، ترتسم ابتسامة حزينة على وجهه، مما يزيد حنق زوجة أبيه منه، فرغم ضربها وعقابها المستمرين لهذا الجسد الشاحب تظل ابتسامة مسعود حاضرة.

في أحد أيام الشهر السابع الذي يقدم فيه الأطفال قربانا للشيطان عزمت زوجة الأب على التضحية بهما دفعة واحدة انتقاما من أبيهما لعدم تلبية كل متطلباتها، وفي يوم كان الأب منشغلاً برعي إبله، قامت الزوجة بذبح مسعود الصغير ووهبته للشياطين، وقبل أن تقوم بفعلتها المشينة تلك أرسلت أخته لتبحث لها عن غرض في مغارة عميقة دامسة الظلام فكانت وردة كلما دخلت في المغارة تنادي عمتها: يا عمة هنا؟ ترد عليها من أعلى المغارة لا ادخلي أبعد، والبنت تنادي والعمة تقول لها لا أبعد إلى أن سقطت المسكينة في غياهب المغارة وأغلقت عليها بصخرة عملاقة طريق الخروج.

رجع الأب بعد عناء وتعب، سألها عن وردة ومسعود فقالت إنهما نائمان؛ وقربت إليه صحن مليء باللحم وقالت بخبث شديد: هيا كل اللحم قبل أن يبرد. أمسك الرجل قطعة لحم فغصت في حلقه واستفرغ فاستغرب من قسوة اللحم، غضب منها وهتف بأعلى صوته: ما هذا اللحم الذي لا يمضغ ولا يبلع.

في تلك الأثناء حطت عصفورة صغير بجانب الرجل وغردت قائلتة: "غو.. غو سود الله وجهك من رجل، أنت تأكل لحم مسعود ووردة قدها في الغار غو.. غو" ورددتها عدة مرات، انتفضت المرأة من مجلسها وهشتها وهي ترفع صوتها وتقول هش هش عصفورة مزعجة وحاولت إبعادها عن زوجها.

قال الأب: اسكتي اسكتي .... هل وردة في المغارة؟! وهذا لحم مسعود؟!

فركض وأخذ ينادي على ابنته وهو ينزل للمغارة إلى أن وجدها ميتة، ثم عاد وهو يلهث تعبا ووردة على ظهره صريعة، قال لزوجته الشريرة: "أطعمتني لحم مسعود وقتلتي وردة في المغارة، انكرت في باديء الأمر وقالت إنهما ماتا من أنفسهم، لكنه كشف فعلتها وعاقبها بنفس الفعل الذي اقترفته فجمع أشلاء أبنائه وقبرهم بالقرب من مسكنه ورمى جثتها للكلاب والذئاب.

********************

حكاية أسطورية من الإرث الشعبي في محافظة ظفار.

 

تعليق عبر الفيس بوك