"كورونا".. بين التوكل والعمل بالأسباب

زين حسين الحداد

بَعد مرور فترة زمنية من عُمر أزمة كورونا الحالية، التي غيَّرت ملامح حياتنا الكثير.. نُلاحِظ التنوُّع الفكري في المجتمع والمستوى الثقافي بين فرد وآخر؛ من خلال اختلاف اسلوب تجنُّب المرض؛ فمنهم من التزم بالتعليمات والاحترازات الصحية بعيدا عن البحث عن رضا الله تعالى، متناسين أنه مُسبِّب الأسباب، ومنهم من قدَّم الاستهتار وضرب بالتعليمات عرض الحائط بحجة التوكل على الله وأنَّ الأمر بيد الله، والسؤال الذي يطرح نفسه: هل التوكُّل وحده يكفي للنجاة من المرض، أم العمل بالأسباب وحده يكفي لتجنبه؟ هذا ما سنتطرق إليه في باقي المقال.

‏الثقة المُفرطة في التوكل على الله دون الأخذ بالأسباب لم يأمر بها الله تعالى ولا رسوله الكريم، والشواهد القرآنية والسنة النبوية مَليئة بالحث على العمل بالأسباب مقرونة بالتوكل على الله... فلا تتوكل بلا عمل، ولا تعمل بلا توكل.

و‏يعتقد البعض أنَّ التوكل على الله وعدم الالتزام بالاحترازات الصحية والتعليمات زيادة في الإيمان والخضوع وهذا غير صحيح؛ لأنَّ الشريعة حثَّت على إقران التوكل بالأسباب. في الجانب الآخر، الاستهزاء بالتوكل على الله مرفوض، وسيُصيبك ما كتبه لك وإن كنت في برج مشيد، فلا راد لقضاء الله.

ومن الأمثلة القرآنية التي تؤكد أنَّ السعي هو شرط أساسي لتحقيق التوكل: ‏كان الله تعالى قادرًا أن يشق البحر مباشرة، ولكنه قال لموسى اضرب بعصاك البحر. كان الله قادر على أن يرزق مريم الطعام، ولكن قال لها هزي إليك بجذع النخلة. هذه الدروس القرآنية التي تحثنا على السعي والعمل بالأسباب قبل التوكل على الله، والسعي والعمل هما أساس التوكل على الله.

أيضًا جاء في إحدى القصص النبوية أنَّ أحد الصحابة سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "يا رسول الله أترك ناقتي وأتوكل أو أعقلها وأتوكل؟ قال له بل اعقلها وتوكل". في إشارة إلى السعي والأخذ بالسبب. فلا يكون لأي شخص منا أن يُعارض القرارات التي أتت في مصلحة الجميع بإقامة الفروض الجماعية والمناسبات الدينية والاجتماعية.

ونستنتج من هذا أنَّ تبرير الاستهتار بوصفه توكلا على الله غير صحيح ومنافٍ لمقاصد الشريعة. والواجب علينا جميعا الالتزام بقرارات اللجنة العليا التي أتت بلا شك من أجلنا وأجل سلامتنا، والالتفاف حول القيادة الحكيمة لمولانا صاحب الجلالة في هذه الظروف التي أهلكت الدول والعالم من خلال تطبيق كل الإجراءات ومحاربة الشائعات والتكاتف للخروج من هذه الجائحة بأقل الأضرار وفي أسرع وقت، كذلك العودة إلى الله بالتوبة والعمل الصالح والدعاء والتضرع إلى الله بأن يرفع البلاء، ولا يأتي رمضان إلا والجميع منصرف لواجباته الدينية والاجتماعية إن شاء الله، كذلك يجب علينا عدم نشر الذعر والخوف بين الناس، ولنتفاءل بأن بعد كل عُسر يسرًا، وكل أزمة ستزول، فلا يوجد بلاء يدوم.

تعليق عبر الفيس بوك