سالم بن لبخيت كشوب
على الرَّغم مِمَّا سبَّبه فيروس كورونا من حالة الخوف والهلع والخسائر الاقتصادية لمختلف دول العالم وما صاحبه من استنفار الدول لمواجهة هذا الفيروس غير المعروف مصدره، أو طرق علاجه، وتم إغلاق الحدود والمطارات والمدن ومظاهر الحياة، إلا أنَّ هذا الفيروس كشف الكثير من أوجه الخلل والضعف لدى الكثير من دول العالم؛ سواء في مَصَادر الدَّخل والقطاعات التي تعتمد عليها أو البنية الصحية والاقتصادية الموجودة، ومدى جاهزيتها للدخول في العصر الرقمي الذي أثبت أنه سيكون الرقم والمجال المهم الذي يتحكَّم بكثير من اقتصاديات العالم؛ نظرا للفرص الواعدة المتوفرة.
وخلال أزمة هذا الفيروس، انكشفتْ الكثير من الوجوه الزائفة التي كانت تنادي بالتعاون والوحدة الاقتصادية كالاتحاد الأوروبي، الذي وقف مثل المتفرج للوضع المأساوي في إيطاليا وإسبانيا، وجعلها تواجه مصيرها دون أي تدخل، كما هبطت أسعار النفط بشكل مروِّع وغير متوقع للكثير من الخبراء؛ مما يدقُّ ناقوس الخطر للدول التي لا تزال تعتمد على عائدات النفط كمصدر دخل رئيسي لها، وما صاحب هذا النزول الهائل لأسعار النفط من فُرص للدول المستوردة من أجل تخزين كميات كبيرة من الذهب الأسود، وإعادة الاستفادة منه بأسعار خيالية بعد ذلك، فهل سيكون للدول المعتمدة على النفط قرار بإعادة النظر في الإجراءات والسياسات من أجل تقليل الاعتماد عليه، والتركيز على القطاعات الأخرى غير النفطية، وعدم الاعتماد عليه كمطلب حتمي للبقاء، أم ستظل تحت رحمة هذا المصدر الذي سينضب في وقت من الأوقات.
ولله الحمد، لدينا الكثير من القطاعات التي بالإمكان أن تحقق لنا نقلة نوعية إذا تمَّت الاستفادة منها، ولابد من التركيز على إيجاد بنية أساسية قوية ومحفزة للجانب التقني والتكنولوجي، إذا أردنا خلق قطاعات واعدة ذات مردود اقتصادي؛ فالعالم أصبح يعتمد على ضغطة زر ونظام إلكتروني متطوِّر وسريع وليس أنظمة وإجراءات بيروقراطية تستنزف الكثير من الوقت والجهد، وتضيع فرصًا واعدة مُحققة؛ وفي الجانب الآخر المنافسون المتربصون، لن ينتظروا عدم استغلالك للفرص المتوفرة، وسيتم اقتناصها على الفور؛ لذا إما أن نُغيِّر أنفسنا ونكون مُستعدين، أو سيتم تغييرنا بالقوة وعلى حسب شروط الطرف الآخر.
من رَحِم الأزمات تُوجد فُرص، وتتم الاستفادة منها، وفيروس كورونا أثبت أنه لابد لكافة الدول أن تكون مُعتمدة على أنفسها في القطاعات المهمة التي تمس المواطنين كالقطاع الصحي والغذائي والصناعي، وليس تحت رحمة الاستيراد الذي رُبما مع أي أزمة يقل أو ينعدم، وبأسعار باهظة ومرتفعة، فنتمنَّى أن يتم الاهتمام بالقطاع الصناعي في مُختلف المجالات؛ سواء الغذائي أو الصحي، وكذلك قطاع الزراعة والثروة السمكية، وأهم قطاع لابد التركيز عليه هو قطاع بيئة الأعمال والتقنيات والتحول الإلكتروني؛ من خلال بنية أساسية قوية ذات سلاسة في العمل، وبأسعار مُحفِّزة، وتشجيع الشركات للدخول في التسويق والشراء الإلكتروني، وتقديم مختلف الحوافز.
وفي مُختلف الأزمات، يُثبت القطاع الصحي أنه هو خط الدفاع الأول، ولابد أن نثمِّن الجهودَ المخلصة للعاملين في هذا القطاع على تضحياتهم من أجل الوطن؛ لذا نتمنَّى التركيز على إيجاد صناعات وطنية في المجال الصحي، وتقديم مزيد من الحوافز والتسهيلات للعاملين المواطنين في المجال الصحي، أو الراغبين في الاستثمار فيه، وإيجاد صناعات وطنية في كثير من المجالات الصحية المطلوبة لتحقيق الاكتفاء الذاتي، والتصدير للخارج فالكفاءات العمانية والمواهب الشابة موجودة، ومع التدريب وصقل خبراتها في مختلف المجالات، وإيجاد المناخ المحفِّز لها سيكون لها أثر إيجابي على الوطن، وهذه دعوة للجميع -سواء مختلف الجهات أو الشباب- لأنَّ من رحم الازمات تخلق الفرص، ولابد من الاستفادة منها، والعمل على تكاملية الأدوار من أجل خلق اقتصاد قوي ومتنوع، بعيدا عن مصير أسعار النفط وتقلبات السوق.
أنْ تَصِل متأخرًا، أفضل من أن لا تصل، ولا داعي للبكاء على اللبن المسكوب، وما زالت هناك الفرص والمجالات متوفرة، ونتمنى الاستفادة منها، واستخلاص الدروس والعبر من فيروس كورونا، وإعادة النظر في الكثير من السياسات والبرامج، وأن تتم المبادرة بالتغيير؛ من خلال الاقتناع الذاتي والحرص على الاستفادة من الأخطاء، واستثمار الفرص بشكل جيد، قبل أن يقتنصها الغير، ونظل تحت رحمته.
من أقوال باولو كويلو: "حين تكرِّر خطأ ما، فلن يصبح خطأ بعد ذلك: إنه قرار واختيار".