لم يكن خطأ الدين ولا التدين!

حسن بن علي العميري.

يأخذك العجب من بعض الناس، حقا.
فما يكاد عالِم من علماء الدين يتكلم، حتى يفترضون أنه نطق بخلاف ما يقوله العلم!!

كأنما جاء الإسلام -الذي يتكلم الشيخ باسمه- عدوا للعلم، وكأنما جُعِلوا هم أوصياء على العلم؛ فمن ثَمَّ يُقرِّرون ما ينتمي إليه وما لا ينتمي، وكأنما عِلْم الدنيا كلها إنما هي العلوم التطبيقية فحسب، وكأنما هم في كل ما يأتون ويذرون إنما يسيرون وفق قواعد هذا النوع من العلوم ومقتضياتها، لا يحيدون عن موضوعيتها قِيد أنملة..

ولا بأس لدى هؤلاء أن ينطلق القانوني من مقولات علم القانون، والاقتصادي مما جربه الاقتصاديون، والطبيب مما قرره الأطباء، والإداري مما اشتملت عليه أدبيات الإدارة.. لابأس بهذا كله؛ ولكن ألفُ بأسٍ أن ينطلق عالم الدين مما وعاه وتمثله من علوم الدين، فليس -في شرعتهم- شيء أضر على العلم من (قال الله) و(قال الرسول)، صدق فيهم قول الحق سبحانه: "وإذا ذُكِر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون"

ومن العجيب أن علماء كل العلوم مُصدَّقون لديهم، معتبرة آراؤهم، يلتمسون لهم ولها -وإن اختلفوا معهم ومعها- النية الحسنة والوجاهة العلمية، على رغم أن مرجعها النهائي مقولات بشرية، ليست تسلم -مهما بدت جامعة مانعة- من النقص والقصور؛ بينما يَصِمُونَ علماء الدين وآراءهم بالتخلف والرجعية، مع أن مرجعها النهائي كلام الله الذي "لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه"، والذي يَجْمَع الأولين والآخرين -مهما اختلفوا في التأويل والتفسير- على فهوم مركزية عامة..

ولعمري؛ فإنهم على قدر ما يوهمون الناس بسعة أفق تفكيرهم؛ يزداد فكرهم ضيقا وبلادة، وطباعهم خسة ودناءة، ونشاطهم إيغالا في الجرأة المذمومة..

قلت مرة لأحد الأصدقاء، وقد كان في سبيله إلى أن يقلدهم في بعض ما يتناولون: إنها أزمة احترام لا اختلاف.. فلا ريب أن الاختلاف في الرأي غير مذموم، وإنما المذموم أن يساق هذا الاختلاف بلسان لا يحترم من سبق، ولا يرعى حق من أفنى عمره في الدعوة الخيِّرة والإصلاح، ولا يخشى الله ولا الضمير من مآلات ما يقول..

وأظن، والله أعلم؛ أن عددا من هؤلاء -إن لم يكن أكثرهم- لا يَصْدُرون -فيما ينبرون له من شَغَبٍ على علماء الدين الراسخين- عن وازعٍ معرفي ثقافي، بل عن آفات في النفس (مما يُسميه النفسيون عُقَداً أو نحوها)؛ فإن منهم من كان أيامَ تَدَيُّنِه عبوسا قمطريرا، أو أشعثَ أغبر، أو أهوجَ فوضويا، أو مشتغلا بالتعصب الأعمى، أو مُهْمَلا غير ملتفَت إليه.. نقائصُ انتبهوا لها في لحظة مختلطة، فحسبوا أنها جنايةُ الدين عليهم لا بما كسبت أيديهم وزاغت أبصارهم وعَمِيت قلوبهم، فانقلبوا إلى ما هم عليه الآن من اللعب بمسائل الدين وانتقاص المتدينين، والله المستعان.. نسأل الله أن يهدينا وإياهم إلى سواء السبيل، وأن يفضي بنا فيما نختلف فيه إلى السلامة والعافية، في الدنيا والآخرة..

تعليق عبر الفيس بوك