عندما يلعب الكبار

 

ناجي بن جمعة بن سالم البلوشي

 

تزيد الاقتصادات العالمية ثقلا من أثار موجة الاجتياح التي يتسبب فيها وباء فيروس كورنا المسجل بكوفيد 19، هذا الوباء أبطء كل شيء كان سريعا وأوقف حركة كل شيء كل يسير ببطء، انه أوقف كل شيء تقريبا وهذا ما جعل من كل الاقتصادات العالمية ثقيلة للغاية، لا تتحرك وان تحركت تحركت بقوة دفع قوية جدا من الحكومات كالسيولة والمعونة والمساعدات. فبسببه سجلت منصات التداول في الاسواق العالمية خسارة فادحة وتقلبات للسوق في العملات والمعادن والمخزون الغذائي وغيرها من اقتصاديات العالم الذي حتما سيتغير لقادة جدد يقودون الاقتصاد العالمي، وهؤلاء الجدد قد يكونوا أقويا من مجرد ان المرض لم يفتك بهم اوانه لم يصل بهم الى مرحلة التوقف عن الانتاج وليس لانهم أقوياء بما يملكون من ثروات وعقول.

فعندما تقدم الدول في مجموعها تريليونات الدولارات لأجل تعافي اقتصاداتها من الركود والكساد المتوقع فانها في الحقيقة تجربة لملء العقول بما تعودت عليه من تجارب سابقة، كالتي شهدها العالم 1930م. لكن الان الوضع مؤكد انه مختلف ففي تلك السنة كانت الاقتصادات العالمية متشكلة في دول معدودة بالأسماء والثروات والإنتاجات القليلة فهي لاتعني كل دول العالم من الشرق الى الغرب، وهي متواجدة في قارة او قارتين فحسب  فنحن العرب مثلا لا نتواجد في اي قائمة من تلك الاقتصادات كما ان الصين واليابان وكوريا الجنوبية وبعضا من دول العالم لم يكن لها تاثير قوي على الاقتصاد العالمي انذاك ، أما اليوم فالامرمختلف جدا فالجميع له صناعات وتجارة وأموال في دولا أخرى، والكل له متاجر ومنافذ بيع في دولا أخرى تعود عليه بالاموال الطائلة، كما ان التبادل التجاري اصبح أمرا شائكا وأكثر تعقيدا من ذي قبل فالثروات التي كانت تؤخذ بالاستعماروالاحتلال أصبحت تشترى بالاموال المحولة والدفع لأصحابها وهذا الحال غير مجرى الاقتصاد الجديد.

وفي هذه الفوضى التي تسبب فيها هذا الفيروس الخفي والتي شملت كل دول العالم فقد تسبب في آثار معلنة وآخرى مخفية وخافية وهي ما سوف نركز عليها هنا.

فالكل ذاهب الى الاحتياطيات المالية أولا ومخزونات النفط والغاز ثانيا وهنا من يملكها بكل الأحوال ثم بعد هذا التوجهه الى المعادن وما هو مدخر من صناديق سيادية وسندات خزانة لدى دول أخرى وغيرها من الاجراءات الحايلة دون سقوط الدول الى الهلاك المالي والانتهاء من الخارطة الاقتصادية الجديدة.

نعم نتوقع ان تكون الصين الدولة الأولى عالميا في الاقتصاد في هذه الفترة الزمانية  وهي ستستحوذ على النصيب الأكبر من الاقتصاد العالمي لانها تجاوزت المرحلة الصعبة من الجائحة الكبيرة وهاهي الان تنتج وتصدروقد أعلنتها للعالم على انها قادرة على توصيل منتجاتها الى الدول عن طريق القطار السريع الأكثر فاعلية عن الشحن البحري الذي بالعادة ما يحتاج الى أكثر من 21 يوما الى شهر لنقل البضائع الصينية الى أوربا كذاك القطار الذي سيصل الى اسبانيا بعد عشرة ايام من تاريخ اليوم لرحلة مكتملة في مدة اسبوعين فقط.

وعندما نقول بان الصين بدت في الانتاج والتصدير فاننا في المقابل نقول بان العالم الأوربي والامريكي يقبع في حال التربص بالفيروس والتوقف عن الانتاج والتصدير، وهذا الوصف يبين لنا بان الصين كانت وحدها في ذك التربص و التوقف من قبل وهنا نحدد ذلك التوقف على انه في مقاطعات ومدن صينية محددة فلم تتوقف الحركة الانتاجية في الصين بشكلل نهائي بل توقفت في مقاطعات فقط وتستعين بمنتجات المقاطعات الاخرى مع بعض الاستعانات الخارجية من دول أخرى ؛ بينما اليوم هي تصدر لكل الدول الأخرى دون أستثناء مما يضمن لها العودة الى النمو الاقتصادي الاسرع عالميا بكفاءة وسائل الشحن والنقل الثلاث الاكثر فعالية والتي ستساهم في هذا النمو السريع تلك الوسائل هي النقل الجوي والنقل البري والنقل البحري.

كما ان موقعها الجغرافي الأكثر فعالية في مثل هذه الازمة التي بدت من الشرق متوجهة الى الغرب حتما سيكون مساعدا لها في ذلك النمو فهي تصدر لكل من يصيبه مكروه في اتجاه الغرب ويعني هذا تعافي كل الانتاج وسريان العمل في كل مصانعها ليصل الى ذروتها الكاملة في الانتاج، اما الجانب الاخر من العالم وأعني هنا الدول الغربية الاوربية والامريكية فانها في بداية التوقف عن الانتاج وهي ايظا في بداية تسجيل الكشوفات للخسائرمما يعني تعافيها بعد شهرين تقريبا من الان ليعود الانتاج والتصدير الى طبيعته ففي هذا الزمن المقدر بشهرين  نعني بان الصين وصلت الى القمة او الى رأس الهرم العالمي من الاقتصاد.يساعدها فيه انخفاض اسعار النفط الخام المصدر إليها ليكون مساعدا قويا في هذا الصعود فهاهي قد حصلت على اسعار تنافسية تساعدها على الانتاج والتصدير للنمو الاسرع على الاطلاق، هذه الأسعار التي تطاير وسيتطاير منها النصف بسبب زيادة الانتاج السعودي والروسي المستقبلي المحتمل، وحيث انه ساهم على ايقاف انتاج النفط الصخري الامريكي الا انه اغلق الابواب وزاد من المشاكل على اقتصادات دول كثيرة  كتلك التي تعتمد على العوائد النفطية في موازناتها العامة السنوية.

فعندما نتوقع وصول الصين الى أعلى الهرم العالمي من الاقتصاد هذا لا يعني انها وصلت الى القمة المطلقة من ذلك الهرم لان أمريكا بقوة اقتصادها لا يمكن مقارنتها مع الصين منتجة السلع لا أكثر، فالولايات المتحدة الامريكية ذات قوة اقتصادية متنوعة فريدة من نوعها في العالم لا يمكن مقارنتها مع الآخرين لكنها هنا ربما استعانت بشركاء جدد للمساعدة في توسع قوتها الاقتصادية والنفوذ العملاق على حساب آخرين قد يكونوا هم الدول المتعثرة من المشكلة الاقتصادية الجديدة لتمكث وقتا كبيرا في اغلاق مصانعها ومنشأتها  تلك التي هي الاكثر منافسة للقوة الامريكية في المنتجات الأكثر كفاءة وتقنية وضرورة وعلما، ربما تريدها ان تلجأ الى البنك الدولي للاقتراض أو لتقلل من قوتها الاقتصادية التي تقارعها بها في المناسبات الدولية كالتقنية والتطورالتكلونوجي والصناعي فما عد الصين لا يضاهي ما تصنعه تلك الدول.

ولان الولايات المتحدة الامريكية المساهم الرئيسي في البنك الدولي الذي يشكل منفذا ومنقذا لبعض الدول التي ستعاني من هذه الفوضى الاقتصادية العارمة الا انه في الوقت ذاته هذا المنفذ والمنقذ سيكون الفخ الاكبر لها، وهنا يمكن ان يعود منطق الاستعمار بصيغة جديدة قد تكون هي الاستعمار الاقتصادي الذي سيتسبب في أختفاء دول من القرار الدولي او قرار التصويت لدى المنظمات والهيئات الدولية او الواقع الاقتصادي لتكون تحت إمرة دول ما بعينها وهو ما تريده أمريكا، كما ان هذا الحال يكسب الدول الاكثر مساهمة في البنك الدولي القوة لتكون على رأس وضع الشروط الجديدة والتي من بينها يمكن ان يكون شروط المساهمة الصينية في ذلك البنك لتدفع الصين وحدها ما يقارب من النصف الى ذلك البنك بقصد تقويته في مساعدته تلك الدول المحتاجة للقروض لكنه في الواقع هناك شيئا ما خفي نظنه ليتم حجز الكثير من أموال الصين فيه من أثر ذلك النمو او من أثر ما سبقه من نمو، ولكي لا تتحكم في قراراته وهي تملك النسبة الاكبر  في أمواله فان الواقع الجديد من الاستعمار الاقتصادي يحتم عليها بان تكون هذه المساهمة مشروطة بشروط معقدة بعض الشيء يتم التصويت عليها من أعضاء خاضعين الاستعمار الاقتصادي وهم غالبية من الدول المنظمة الى ذلك البنك، هؤلاء ايظا سيقومون في المستقبل بالتصويت على قرارات أقتصادية عالمية  تحكم الصين الى المنافسة الحرة والثبات بسعرالعملة والحفاظ على العلامة التجارية والماركات المسجلة وشروط عديدة ومتعددة والا فانها ستقع في المحظور الذي سيؤثرعليها سلبا وعلى تلك المدخرات من الأموال.

هذه القرارات على انها مستقبلية ربما تكون او لا تكون لكنها حتما ستوقف الصين عن طموحها الانتاجي وستوقفها في ركن من أركان الاقتصاد الراكد فما تقوم به الصين اليوم هو كسب الكثير من العملاء بما تنتج لا بما تبتكر؛ اما امريكا فكانت قد ابتكرت ثم أنتجت ثم وطنت تلك المنتجات في كل العالم كالمأكولات والملابس والافلام والعلامات التجارية الشهيرة التي تتواجد في كل شيء يبصره اويسمعه الانسان العالمي وهذا كلفها الكثير من الأموال والزمان ولا يمكنها ان تتخيله ينتهي بمجرد إمتلاك الصين للاموال والفائض التجاري فقط.

اما الصين فنشرت المراكز المشتملة على المنتجات الصينية في العالم برمته لكي تحصل على الكثير من العملاء وهي خطة سريعة جدا للحصول على العملاء المستفيدين من منتجاتها لكن هذا لا يعني انها وقعت عقود واتفاقيات مع كل الستفيدين لتلك المنتجات وهذا ما ستصطدم به مستقبلا عند تقييد سعر العملة والعلامات التجارية والماركات المسجلة  وحكر التقليد والتقيد بالشروط الدولية للانتاج والمصانع مما سيغلق كل تلك المراكز التجارية الضخمة المنتشرة في كل العالم بموجب القانون.

واذا كان هذا ما نتوقعه ان يحدث فاين ستكون دول الشرق الاوسط والعربية الخليجية بالتحديد من هذه الحركة ؟

انها في الواقع ستكون لا الى هنا ولا الى هنا فهي ستبقى قابعة في معالجة المرض ومكافحة الفيروس والتعافي منه بالقروض الضخمة التي ستطلبها من البنك الدولي لتكون تحت مظلة الاستعمار الاقتصادي الجديد، هذا لانها لازالت لم تفصل الاقتصاد عن الصحة ؛ فالصحة تتطالب بالوقاية والتباعد والتوقف والاقتصاد يطالب بالنشاط والانتاج والحركة.

كما انها اتخذت القرار الأصعب على الاطلاق في تخفيض سعر النفط الخام المصدر الى الدول مع قرار زيادة الانتاج وهذا ما غير التفكير في دول الاقتصادات العظمى مما كان متوقع او انه حتمي لتقييد تلك الدول الى ذلك الإستعمار الجديد ليكون الان هناك أحتمالات جديدة على طاولة التفكير منها ما يمكن ان نسميه إنهاء اللعبة سريعا.

والأن وبعد ان بدت الحرب الإقتصادية وأصبحت واقعا من طريقين منفصلين فالاولى لأي دولة ان تنهي طريق واحد منها باسرع وقت ممكن واعتقد بان عشرة ايام كافية جدا لانهاء مشكلة الوباء الفيروسي والتوقف عند نقطة التوقف الحتمية، وهذا لتبقى على استعداد أكثر في مواجهة الطريق المتبقي وهو طريق انخفاض أسعار النفط الخام على الرغم من قساوته ومره، وهذا الخيار أراه مناسبا لدول الخليج العربي ولتتمسك به الى فترة زمنية معينة ليكون بعدها انتعاش جديد لاسعار النفط بعد ان يخسر الجميع  ويعود الى طاولة التفاوض والحكمة والتقييد بالشروط ومنها خفض الانتاج الى اقل مما هو معمول به من قبل لتعويض الخسائر الذي تعرضت لها دول الخليج العربي.

أما هناك في الغرب فالكاسب اليوم هو من سيكتشف اللقاح او العلاج الفوري لذلك الوباء في أقل مدة زمنية ليضاعف المليارات لديه في أسرع وقت ممكن قبل ان تنقض على ذلك الربح المؤكد شركات أخرى لا يعلم من هي ومن اين وقد تكون من دول الشرق الذي إن فعلتها فتفاجئ العالم ولتنقض على الحصة الكبيرة من الأموال.

انتظار المرجو مما هو متوقع على حساب الزمن يعني ان شيئا ما سيتغير أكثر مما نظنه خاصة في استمرار الوباء بالانتشار في العالم الغربي الاوربي والامريكي مع استمرار الصين بالانتاج هذا يعني بأن الفجوة الاقتصادية ستكون كبيرة جدا بين الصين ودول الغرب خاصة الولايات المتحدة الامريكية التي في كل يوم يزداد خسائرها كما يزداد انتشار الوباء فيها والذي يشكل كابوسا مخيفا للامريكين حتى وان توقفت الاصابات الجديدة هناك فكيف ببلد يعد أكبر اقتصاد في العالم ان لا يتصرف في كبح الخسائر والانتشار.

اما الدول العربية والخليجية منها خاصة فعليها ان تتخذ اجراءات اكثر دقة في اتجاه الاقتصاد والصحة في آن واحد فاغلاق الحدود البرية بينها مثلا سيسبب لها التوقف عن التصدير والتوقف عن التصدير يعني التوقف عن المكاسب والتوقف عن المكاسب يعني اغلاق المصانع والانتاج وهذا يعني التسريح والاغلاق والانتهاء وفي هذا الجانب لابد من وجود موانئ برية على كل الحدود المرتبطة ببعضها لتستمرالحركة البرية بين الدول في انتقال البضائع والسلع دول دخول المركبات من دولة الى أخرى اذا كانت هناك مخاوف من انتقال العدوى.

وفي شأن الصحة وأحتواء الوباء هنا لابد من تحرك الجيوش الخليجية في التصدي لمثل هذا المرض وبناء المستشفيات الميدانية واغلاق مناطقها للمصابين وفصلهم الى فئات متنوعة مصابة ومحجورة ومخالطة اومشكوك فيها هكذا سيتم الاستحواذ على كل مصاب ومخالط من الاراضي الخليجية، فمخاطبة الشعوب بالقوة الحتمية التي اعتادتها الشعوب العربية في غالب الاحيان يكون ضروريا في بعض الأحيان.

تعليق عبر الفيس بوك