هواجس واضطراب!

يوسف عوض العازمي

alzmi1969@

"إن حضارة الإنسان وتاريخه ومستقبله.. رهن كلمة صدق وصحيفة صدق وشعار صدق.. فبالحق نعيش، وليس بالخبز وحده أبدا". مصطفى محمود.

 

 

في زمن كورونا تزور الإنسان كثيرٌ من الأفكار، وتغرقه التأملات، ويبحر في يم التناقضات، وقد يكون من السهولة أن يصل إلى حال الاضطراب، والاغتراب عن حاضره، والسفر إلى متناولات التفكر والتفكير وتبعات ذلك من أفكار ممكن جدا" يكون منها ما هو جنوني!

في خلوة النفس تتداعى الهواجس، تتراص الأفكار، تحتشد المحاولات لإيجاد شكل لفكر سماؤه قاتمة، يتأرجح يومه بين نهار جاف ومساء لين، بين مُمكن ولا مُمكن، تنتابه ريح عصوف تركل الواقف وتُهدد السلم الهادئ، متماسكات الصلابة تنظر بعين شزر إلى متفرقات اليأس ومتباينات البؤس، مرغم يتكئ على يائس!

تتضافر رغبات الخاطر في البحث عن رحلة، تأخذها للبعيد ولأوقات مضت، وأحداث إنقضت، إلى التاريخ وقراءاته، وحسناته وسيئاته، في قراءة التاريخ سفر وجولات، مبادئ وتحولات، مشوار وتوقف، صحيح ونجاح، وخطأ وخطيئة، تسير بأوراق التاريخ إلى دول وتتداعى أمامك أمم، وتبدأ وتنتهي في الورق المصقول حروب ومبارزات، ونقاش ومحاورات، إن أفضل مافي كتب التاريخ أنها تذكر الحدث ونتائجه، لكن عليك أيها القارئ الحذق أن تستمد اليوم من حوادث الأمس من كتب التاريخ، وتتذكر أبا البقاء الرندي:

تلك الأيام كما شاهدتها دول

من سره زمن .. ساءته أزمان ..

في ترانيم الأحداث دروس قاسية، ومواعظ راسية، وعِبر تبقى في الذاكرة، وارتباكات وتداركات، وثوان معدودة تمر وكأنها سنة الاثني عشر شهرًا"، من لا يتدارك الإرباك لا يحصل على فائدة، ولا يفصل في كائد، التغني بالماضي من صفات الضعفاء البسطاء، فهم لايملكون حاضرا" ولاينتظرون مستقبلا، عالة على أنفسهم، عبء على الإنسانية، يعيشون معيشة البهائم، أكل وشرب وفراش، لا إنتاج وإنضاج لتجربة ومبادرة، يدعون المثالية وهم الأبعد عنها، يترنمون بالتدين وهم بؤرة العنصرية، يتباهون بالرقي وهم لا يستطيعون تسلق هضبة قصيرة الطول، يأتون من الطين ويعودون إلى التراب، وهم مغمورون لا ذكر ولافكر، ولا ذكرى طيبة!

إن لم تُعط لن تأخذ، وإن لم تتنازل لن يتنازل لك، الحياة جلها هات وخذ، حتى السلام قل السلام عليكم سيكون الرد وعليكم السلام ورحمة الله، وأحيانًا" وبركاته، كن أنت ولا تكن ذاك، أنت لك وضعك - ظروفك، وذاك له وضعه - ظروفه، أنا وأنت وهو خلقنا الله سبحانه وتعالى ولن نعمل أمرا" دون إرادته وتوفيقه، لا تتذاكى على بديع السموات والأرض، أنت خلقت من نطفة، أريت كم أنت صغير؟

قال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه:

وتحسب أنك جـِرمٌ صغير *** وفيك انطوى العالم الأكبر ..

داؤك منك وما تبصر *** دواؤك فيك . .وما تشعر ..

بالنهاية أنت خلقت من طين، وسترجع إليه، فإن لم تفهم حقيقتك كإنسان ضعيف لن تفهم أبدًا"، وستتقاطع أمامك الطرقات، ولن تعرف المسار الأيمن من الأيسر!