نقطة الصفر

خالد الميمني

 

في نهاية الربع الأول من هذا العام ٢٠٢٠م، كانت هناك فترة حرجة لمُعظم الدول لاسيما تلك التي تعتمد موازناتها السنوية على مبيعات قطاع النفط والغاز بدرجة كبيرة، خصوصاً مع انهيار أسعار النفط الحالية وتفاقم انتشار وباء فيروس كورونا وتعطل معظم الأعمال جبرياً.

فالسلطنة من بين تلك الدول التي عانت الأمرين، لاعتمادها على مبيعات النفط والغاز بنسبة تفوق ٦٠٪؜، وتأثرت مباشرة بانخفاض أسعار النفط الحالية مما انعكس سلباً على الحالة الاقتصادية على الصعيد الداخلي والخارجي على حد سواء.

فالسلطنة بدأت بتصدير أول شحنة تجارية من النفط الخام في عام ١٩٦٧، ولا شك أن تاريخ السلطنة في قطاع النفط والغاز مرتبط بشكل كبير بقيام النهضة في عهد جلالة السلطان قابوس -طيب الله ثراه- في عام ١٩٧٠

 

نجد حساباتنا تبدأ من الصفر مع كل أزمة نفط نمر بها! فهذه الأزمة ليست وليدة اليوم وسبقتها عدة أزمات مالية عالمية، وآخرها أزمة ٢٠١٤/ ٢٠١٥ مما جعل كثيراً من الدول تسعى بشكل جاد إلى تصحيح المسار، وتقلل من اعتمادها على النفط والغاز كمصدر دخل رئيسي لها وتبحث عن مصادر بديلة ومن بينها السلطنة طبعاً.

فالرؤية الحكيمة للسلطان الراحل -طيب الله ثراه- كانت في الابتعاد قدر الإمكان عن الأزمات المالية العالمية، والعمل على تنمية الموارد غير النفطية، لذا صدرت التوجيهات والتوصيات بهذا الشأن، لعل الأبرز منها هو إعادة تشكيل مجلس التنسيق الاقتصادي الذي يعنى بدارسة الوضع الاقتصادي بشكل عام، كما جاء في المرسوم السلطاني رقم ١٢/ ٢٠٠١ ، بحسب المادة رقم ٢ من اختصاصاته وهو النظر في جميع المسائل الاقتصادية في السلطنة.

ألم يكن ذلك كفيلاً بأن يكون الوضع الاقتصادي لدينا أفضل مما نحن عليه اليوم؟!

 

للأسف.. لازلنا نجد -بعد قرابة عشرين عاماً من تلك التوجيهات- أنَّ الوضع الاقتصادي لم يحقق الطموحات المرجوة، فها هي الأزمة الحالية تعصف بنا وكأننا في بداية انطلاقتنا من الصفر نحو البحث عن حلول ونجد أنفسنا نلجأ إلى الدين العام لتغطية النفقات العامة!

أعتقد أن كل العوامل كانت مهيأة سابقاً لدراسة وتحسين الحالة الاقتصادية بشكل جذري في ظل التعافي من تدهور أسعار النفط في الفترات الماضية، بالأخص عندما تجاوز سعر البرميل ١٣٠ دولاراً. وتعتبر الفترة بين عامي ٢٠٠٣ و ٢٠٠٨ من أفضل الفترات حينها نظراً لارتفاع الأسعار، مما قد يجعل السلطنة اليوم تتخطى العجز والتضخم...إلخ، إذا تم تحقيق تلك التوصيات باستغلال الفائض المالي بشكل أمثل في تنويع مصادر الدخل الفعلي والتقليل من الاعتماد على العوائد النفطية كمصدر دخل رئيسي.

علاوة على ذلك، فتحقيق هذه الأهداف بحاجة إلى تغيير جذري لفكر القائمين على دراسة الوضع الاقتصادي في السلطنة، والبحث الحثيث عن تنويع مصادر الدخل، وربما إعادة تنظيم هيكل الجهاز الإداري للدولة والمحاسبة الفورية. فالمطالبة بالمصادر التي تطرق لها مولانا جلالة السلطان هيثم -حفظه الله ورعاه- قد تأتي بثمارها في عدة جوانب ولاسيما في هذه أيضاً وهذا بطبيعة الحال سيحل مشكلة الباحثين عن عمل بشكل مباشر.

فالسلطنة حباها الله بموارد طبيعة كثيرة، وهي ليست حكراً على فئة معينة أو شركات خاصة، إنما حق للشعب بأكمله. فعلينا استغلالها الاستغلال الأمثل مع تأهيل القوى البشرية الفاعلة والكادحة لذلك لرفعة بلدها. وهذا سيُعزز من رفع مساهمة الإيرادات غير النفطية تدريجياً، وبكل تأكيد سنحقق اقتصادا قويا ونتغلب على التحديات والصعوبات، مما يجعلنا آمنين وبعيدين عن التقلبات الاقتصادية في المستقبل.

في النهاية، لابد من التنويه بأنَّ التغيير أمر مهم وصحي لإيجاد بدائل أخرى وسيُعزز من صلابة الاقتصاد الوطني، الأمر الذي سيُساهم في ارتفاع الناتج المحلي عوضاً عن اللجوء إلى الاقتراض وطلب المساعدة الدولية لسد العجز في مثل هذه الظروف الاقتصادية الاستثنائية المتكررة.

تعليق عبر الفيس بوك