طفول سالم
هناك الكثير من المواقف الإنسانية تتكرر على مر العصور والدهور؛ كلما أمعن الإنسان النظر في سر حياته ومصيره دون أن يتصل بمصدر هداية يدله على طريق الخلاص، وفي هذا تكمن الحكمة في الآية القرآنية التي تلقي ضوءًا على هذا المأزق الذي يجتاح العالم وتوجه النظر إلى طريق الخروج منه: "أفحسبتم أنما خلقناكم عبثًا وأنكم إلينا لا ترجعون".
جمع الله فيه الأرواح التي قدر لها أن تولد، كما يقول الفلاسفة المسلمون «في عالم الذر»، وسألهم: "ألست بربكم؟.. قالوا بلى.. هنالك علم الإنسان أنه مختلف عن بقية الكائنات وأنه صاحب مسؤولية وأنه حر الاختيار.
يعتقد البعض بأنّهم مختلفون عن الجميع، فهم لا ينتمون لما ينتمي إليه، ولا هو ينتمي لما ينتمون إليه، مختلف تماما وعنده قناعة بأنّ ذلك (الكورونا) لن ينال منه، لأنه يعتقد أن خلاياه البيولوجية مختلفة كاختلاف شكله وبصمة عينه، ورسمة إبهامه ، فقد تم نسجه في رحم مختلف ليس كالأرحام، يظن أنّ بيولوجية الإنسان تختلف كاختلاف أفكاره وعقيدته وعرقه، بل سوف يفعل ما بوسعه ويحارب ويصبح دون كيشوت يحارب الطواحين ويحاول أن يفرض رأيه، بأنّه بطل يختلف عن الجميع َوليس منقادا ومستسلمًا للأفكار غيره، يؤمن بحريته المطلقة، وليس خروفا يمشي مع القطيع، ولن تغلق عليه زريبة الأفكار العفنة المصدرة من الخارج سوف يفتح الأبواب ويفعل ما يشاء، لن يفرضوا عليه القيد ليبيت في الدار، فهو حر، قائد نفسه ولن يكون إلا كذلك؛ إنه صنيعة أفكاره. تلك الأمراض التي يتناقلونها عبر الأخبار ووسائل التواصل لن ينخدع بها.
إنّ مثل هؤلاء أشخاص مصابون بلوثة فكرية غارقين في مستنقع اللا معقول وأفكار نرجسية موحلة، ومغطاة بالطين والطحالب، إنّهم غرقى في مستنقع نظرية المؤامرة لأنّهم يظنون أنّهم محور الكون، فهم يعتقدون جازمين أنّ من وقعت عليهم الأمراض الوبائية وقع عليهم الغضب الإلهي؛ فهذا عقاب لهم وحدهم. بما وصلت إليه أياديهم من ذنوب بسبب انقيادهم للقطيع، فصاروا في شتات من أمرهم لا يعلمون أين المفر، ولن يخرجوا من ذلك النفق الذي لا قرار له لأنهم اتبعوا الباطل بما كسبت قلوبهم وأيديهم، هؤلاء الذين لا يعلمون أنّ الوباء قد يصيب المؤمن والكافر. لأن كل البشر متشابهون بيولوجيا. والفيروس لا يفرق بين رئة البوذي ولا رئة المسلم ولا المسيحي والهواء الذي يتنفسه الجميع هو واحد أكسجين ومركب واحد هو مركب O2، وكل الكائنات تأخذ نصيبها من هذا الهواء.
لقد عمت أعينهم عن الحقائق عن ذلك الهواء، الذي يتنفسه، ويشاركه في غلافهم الجوي، قد ينجح في اختراق رئتِه بكل بساطة، فهو لم يعلم بأنه مختلف عن البشر، فتصيبه تلك الحمى وتسقطه أرضا، ها هنا حينئذ سوف يعلم بأنّه بشر مثلهم تماما، فإنّ ما يصيبهم سوف يصيبه.
فالإنسان صنيعة بيته، والديك الذي يتربى في قفص القرود سيعتقد بأنّ أمّه غوريلا.
لقد خُلق الإنسان جزوعا جحودا بكل ما هو جديد عليه مشككا لكل من أتى به. قد يكفره ويطعن فيه. ذلك الجديد قد يسقطه من عرشه، ويتعرى عن هيمنته، كذلك الجهلة عبر التاريخ، فقد نكلوا بالأنبياء والعلماء، ليس لشيء فقط لأنّهم أتوا بما لا تستوعبه عقولهم ولا تطيقه مصالحهم، فهم أعداء ما جهلوا وما هم مدركون بأنّهم أعداء أنفسهم.