فاطمة الحارثية
قد يُخالفني بعضكم أو كلكم الرأي، بيد أنَّني أعلم وأؤمن بسبيل واحد، "سبيل الله"، ففيه ليس ثمَّة شهيد حرية، أو شهيد فكر، أو أية مُتلازمة اعتقاد تُلزِم شخصًا ما بتأطير فكره حولها دُونا وبعيدا عن حقيقة السماوات والأرض والإنسان بينهما.
ترجم الكثير مِنَّا الحرية بمفاهيم مُختلفة، حتى أصبح للحرية فلسفة وأيديولوجيات متعددة، ووصل الأمر إلى إنشاء مذاهب ومدارس تكتب وتتحدث وتناظر عن الحرية، بل وبلغ الأمر إلى قيام الحروب باسمها وموت مئات الآلاف، بل الملايين، عند عتبة فكرها. وإلى أين وصل الأمر! انظر إلى ذلك الزخم المؤرخ بالكتابات الأنيقة وتلك الشعارات التي تَبَاهى بها من تَبَاهى وتفاخر بها من أجاد التعبير والشعر، إلى أين وصل شهيد الحرية؟ مثله مثل أي انتهاء "ضمَّه التراب"..... تحرَّر.
عندما أضَع نصابًا يحف لي مفاهيم تشكل معالم نهايتي في ديمومة الحياة وخلودها؛ فلابد ان أكون الرابح هنا؛ فالمقاعد كثيرة حسب فهم الإنسان على الأرض، فثمة مقعد موظف، ومقعد مسؤول، ومقعد وزير وكلها بأجر. نعم، نتساوى في الفكرة والجوهر، وإن اختلف الدور المسرحي الذي نقف عليه ومقدار الأجر، وهنا ليس الأمر مثل السائد "الأعلى سعرا هو الأفضل"؛ لأن لا أحد من البشر يحدد قيمة الآخر؛ فالموضوع بأكمله هو "الرزق"، والله سبحانه وتعالى وحده من يحدد هذا المقدار وليس البشر "والجهلة" فقط هم الذين يعتقدون بغير ذلك، وفي السياق ذاته في واقع التكليف، فليس الأجدر أو الأذكى، وهو من ينال أعلى المناصب، بل في اعتقادي هو من قد زاد التكليف عليه، واختلف نوع الابتلاء ليشمل "قضاء الحق أو الظلم"، ولا يجب الاستهانة هنا بالنفس، وما قد تكالب الناس في أمور حياتهم، فوجب على كل مُدرك الأخذ بيد أخيه فيما هو فيه؛ فبالقدر الذي تساعد وتنصح به غيرك، تستقيم نفسك، وتُأدبها عن واقع تراه في آخرين وصراعهم بين مقاعد الدنيا وسكن الآخرة..... تحرَّر.
الجميع دُون استثناء له القدرة على صياغة حياته، وإقرار نوع الأجر الذي يبحث عنه، ربما يرى البعض أن الدنيا تعارضه في مبتغاه، بيد أنَّ الحقيقة إن أخذ يدقق فيما يفعل سيجد أنه الوحيد الذي تسبب لنفسه في الحال الذي هو عليه، ورسم لنفسه المسار بوعيه التام، وتغافل للاحتمالات البيِّنة لما قد يصل إليه سلوكه، إنَّ القيام على حال الناس ليس بمطلب عاقل، بل هو تكليفٌ إن كان على حق، فهو من حكيم وإن كان عن جور، فهو من عُصبة تحمل أسمالها من المترفين في غياهب غضب الله عز وجل، فأين أنت بين هذين ولا تبحث عن ثالث؛ فالنهاية بابان فقط لا ثالث لهما؛ إما النار وإما الجنة، فلا حالة رمادية أو وسطية للجوء إليها. علمًا بأنه كلما أسرع الإنسان بإدراك ذلك، أدرك سبيله ورسالته ليتمِّم على خير ويُسر حكمة وجوده..... تحرَّر.
إننا في انغماسٍ مُستمر لأحاسيسنا العقلية من تصوُّراتنا حول ما يحيط بنا، وهذا الذي ينال من سلوكياتنا ويُعطى مدارك ومداخل للأنفس المختلفة لخلق الحيل والشللية، بَيْد أنَّ النأي عن الانغماس المطلق بكل ما يدُور من أحداث هو كالهارب من الماء في عطش؛ فالأمور لن تغير نفسها فنحن من يُحدث التغيير، وبيدنا فعل الكثير إن ردعنا الخوف "الجهل" الذي يُكبل السلام الداخلي والسيرة الحسنة والحياة الطيبة المطمئنة..... تحرَّر.
يضطر البعض منا إلى المُضي في علاقة محاولا جاهدا فيها تقويم أحدهم، ونيل ثقته من أجل أن يعلمه بغفلته، ليحاول مساعدته ليخرج من غياهب الجهل الذي هو فيه، بيد أننا لا نهدي من أحببنا، مهما كان الجهاد والاجتهاد لحكمة الله في خلقه، وعندما لا يكون في الإمكان وقاية الآخر من ضلاله، تبلغ حالة "اللهم إني اجتهدت لوجهك اللهم إن بلغت اللهم فشهد"، أقلها يكون الحال لك لا عليك، يوم تشخص فيه الأبصار وتساق الأجساد..... تحرَّر.
-------------------
جسر:
عندما يأتي أمر من ولي أمر، بأن نتحرَّر من الخوف، وأن لا نجزع، مُؤكِّدا حُكم الله على الإنسان بأن لا حول له ولا قوة إلا بالله، فعليه أنْ لا يخاف في الله لومة لائم، نُدرك أننا جميعنا في مرحلة ما أدركنا أنه لابد لنا أن نتعلم كيف نقول "لا"، بغض النظر عن إن كان لقولها نفع شخصي أو ضرر، وأن نتحرر من ظلمات الخوف، وندعو للاستقامة ومن لا يرتدع، لنا "القول الفصل" لردعه عن إثارة الفساد بين الناس ونشر أفعال السوء.
لنتحرَّر من خوف لا يأتي منه إلا قهر الرجال واضمحلال الأمم وانتهاء الحضارات، وليأتي كل شاهد بالنصيحة، إنْ لم تنفع فعليه بأمر ولي الأمر مع البينة، مع إدراك أن الكثير من الناس يتهجَّد حسرة ظلم وهو أخرس، فكيف ترجو فعلًا ممن لا يعلم، ولا حق لك في الدعاء عليه إن لم تكن لديك حجة قول ومظلمة بلغته وتركها.