تعليق للدوام الدراسي وليس تعليقا للعلم والمعرفة

 
بدر بن خلفان الراشدي

لا توجد لدى مخلص مطلع ذرة شك بأنّ قرارات اللجنة العليا المعنية بمتابعة انتشار وباء (كورونا ٢٠١٩) هي قرارات صائبة بعون الله وعلى وجه الخصوص القرار المعني بتعليق الدراسة والذي يصب في مصلحة أبنائنا الطلبة في مختلف مؤسسات التعليم وهو قرار جاء في وقته، ولا شك أنّه جاء وله مستند قوي وحجج علمية أصلت له ومعطيات من أهل خبرة وتخصص هم أعلم بتخصصهم والحالة التي تمر بها البلاد فلهم خالص الشكر وعظيم الدعاء على ما قدموه وما يقدمونه كل في مهامه وقاية لأهل هذا الوطن العظيم.
نعم تعليق للدراسة في أماكن الدراسة الحزينة على فراق طلاب العلم لكن لا ينبغي أن يتحول إلى تعليق للعلم والمعرفة، ينبغي أن يبقى التعليق في الحدود التي أريد أن يكون فيها وللهدف الذي شرع لأجله وللغاية التي رسمت له وهي حماية أبنائنا الطلاب وفلذات أكبادنا مستقبل هذا الوطن وثروته الكبرى من هذا الوباء.
الذي أفهمه أن التعليق هو في الحضور لأماكن الدراسة ولا يقصد به بأي حال من الأحوال تعليق العلم أو تعليق لغرس القيم والاتجاهات والمهارات المختلفة.
نعم دعت الظروف إلى تعليق الحضور لأماكن العلم وهي ضرورة لا مفر منها للأسباب المعلومة لدى الجميع.
والذي يوافقني عليه الكثير منكم أنه ينبغي لنا عدم تعليق العلم والمعرفة في نظامنا التعليمي بشكل عام والمدرسي بشكل خاص
وذلك لأسباب كثيرة منها:
١- الإنفاق عليه يبلغ يوميا قرابة ٥،٦ مليون ريال عماني على المدارس الحكومية وذلك عند قسمة مجمل الإنفاق على التعليم المدرسي على مجمل أيام الدراسة الفعلية شاملة أيام الامتحانات هذا عدا الإنفاق على الطلاب في المدارس الخاصة من جيوب أسر الطلاب، ومبالغ غير يسيرة أيضا على التعليم الجامعي في فروعه ومراحله المختلفة و لنتصور حجم الإنفاق على التعليم في هذه الفترة المقررة والذي يمكن تقديره بـ١٣٥ مليون ريال عماني خلال ٤ أسابيع من التعليم المدرسي الحكومي، ويقاس عليها بقية الجهات التعليمية الحكومية والخاصة في مختلف المستويات.
٢- وجود تراكمية للتعليم وبناء يقوم على الذي قبله خاصة في ضوء المناهج الحديثة التي تقوم على ما يسبقها من مناهج ويمكن أن يؤدي التوقف فيها إلى صعوبات مستقبلية في التعليم كون الطلاب لم يكتسبوا مهارات تتناسب مع المناهج التي تأتيهم لاحقا في الصف الأعلى.
٣- وجود فقد في المهارات والقيم والاتجاهات التي احتوتها المناهج في هذه الفترة فلو مرت بدون أي تعرض لها ستكون فاقدا من عوائد التعليم المرجوة.
لذلك من الضرورة بمكان وضع بعض المقترحات للتخفيف من هذه الآثار المترتبة على هذا التعليق حفاظا على المال الذي تم إنفاقه واستثمارا له ومحاولة لتحقيق العائد منه ولو بصورة جزئية، ويمكن طرح مجموعة من المقترحات التي ينبغي أن نهتم بها جميعا مؤسسات وأفراد كل وفق قدرته واختصاصه وبعضها تم طرحه من قبل مجموعة من المهتمين وليس لي إلا شرف جمعه وطرحه مع بعض التصرف في هذا المقال المتواضع ومن هذه المقترحات:
أولا: المسارعة في تصميم وتشغيل منصات تعليمية مجانية تشرف عليها الجهات الحكومية المختصة لكافة مستويات التعليم وأنواعه بحيث تقدم ما تبقى من المقررات الدراسية وفق أحدث الطرق والاستراتيجيات التعليمية المعروفة وأن تكون بصورة مؤسسية عالية الجودة.
ثانيا: دعم المنصات التعليمية القائمة في الوسط التقني حاليا ورفدها بالاحتياجات لتحقق أهدافها ورسالتها والتي قامت بعضها بتحويل جهدها إلى الجانب المجاني تفاعلا مع الوضع الراهن وكذلك دعم بعض المبادرات الفردية في هذا الشأن وتعزيزها.
ثالثا: وضع آليات تقويم ولو بصورة غير إلزامية للتحصيل الدراسي وذلك من خلال طرائق تقويم تعزز التعليم الذاتي والتعلم عن بعد مما يعزز اهتمام الطلاب والأسر بجوانب التعليم وفق الظروف المتاحة، ويمكن أن يكون ذلك من خلال الاختبارات الإلكترونية ذاتية التصحيح وغيرها من أدوات التقويم المتعلقة بالتقنيات المعاصرة للتقويم التربوي.
رابعا: تصميم مسابقات علمية منهجية في المواد الدراسية في المناهج المختلفة يتم تطبيقها عن بعد خلال فترة التعليق أو لاحقا بعد انتهاء هذه المرحلة الحرجة من عمر التعليم مما يساعد في زيادة اهتمام الطلاب وأسرهم بمحاولة تحقيق أهداف المناهج الدراسية.
خامسا: صناعة أفلام ومقاطع مرئية ووسائط مختلفة لغرس القيم والأخلاق والاتجاهات التي تهدف إليها المناهج الدراسية في محتواها والذي يفترض أن يقدم خلال فترة التعليق.
سادسا: توعية أفراد المجتمع بما ينبغي فعله فيما يخص تعويض فترة التعليق بالدراسة الذاتية والدراسة عن بعد وأن العلم مستمر لا يعلق وإنما تتغير أساليبه وطرقه ووسائله بحسب الظروف.
سابعا: غرس ثقافة استغلال أوقات الطلاب وهم في منازلهم بأقصى درجة ممكنة لتحقيق أهداف التعليم ومخرجاته المنشودة في كل مستوى.
ثامنا: استغلال القنوات الفضائية الحكومية في تقديم المحتوى التعليمي المقرر خلال فترة التعليق.
بمثل هذه المقترحات وأخرى رائعة تم طرحها من قبل مختصين في مواقع مختلفة يمكننا صيانة رأس المال الذي تم إنفاقه كما يمكننا تثمير رأس المال البشري خلال شهر من التعليق واسأل الله جلت قدرته أن تنجلي هذه الغمة عن عماننا الحبيبة وعن العالم أجمع.

 

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة