شاهي وبسكوت

أنيسة الهوتية

الساعة الثالثة ظهرًا كان وقت السعادة، كنا بتشوق نراقب عقارب الساعة وهي تمشي ببطء حتى تصل إلى الثالثة فنركض إلى التجمع اليومي المعهود. وقد كان هذا التوقيت مختلفا عن غيره لما يحمله من سحر جذاب، وألوان براقة، وحكايات مبهرة في جعبة الصندوق الفضي. وكما سحر الكاتب "ليمان فرانك" العالم برواية "الساحر أوز"، سحرتنا فقرة الأطفال في تلفزيون سلطنة عمان في طفولتنا، وتلك المتعة كانت تكتمل بإضافة لمستين سحريتين وهما "شاهي وبسكوت".

وكنا نكبر عاما بعد عام ولكننا لم نتنازل عن التواجد في التجمع الذي كان أكبر متعة يومية نعيشها، وكانت المسلسلات الكرتونية تنتهي وتبدأ غيرها إلا أن الاستمتاع بتلك اللحظات يبقى كما هو، ومن بين كل تلك المسلسلات الكرتونية كان "سنان" الأقرب إلى القلوب، وأيضا "بومبو" وقبلهم "هايدي" التي أحببتها لأن خالتي شبهتني بها، وفي كل حلقة كنت أعيش الأحداث وكأنني هي. أمّا "فلونة" فقد عشت مغامراتها في خيالي، مع أبي وأمي وإخوتي.

و"النحلة زينة" كانت حلمي الذي تمنيت لو أطير مثلها وأتعرف على أصدقاء جدد في حياتي وأساعد الناس وأستمتع بالحياة والطبيعة، إلا أنني لم أمتلك صديقا صدوقا مثل "نحول" للآن!

ومغامرات "جزيرة الكنز" الذي جعلني أشهق أنفاسي في كل ظهور للقبطان "لونج جون سيلفر" ولا زلت أضحك على نفسي حين أتذكر أنني كنت معجبة جدا به، ولم استيقن أنّه مجرم إلا في الحلقة الأخيرة. و"النسر الذهبي" و"رعد العملاق" و"غراندايزر" وغيرهم الكثير.. والمسلسل الوحيد الذي لم أتابعه لأنه لم يعجبني هو مغامرات "عدنان ولينا" فقد كنت انزعج كثيراً منه ولا زلت كذلك! وإن سألوني لماذا سأرد بــ"لا أعرف!" لأنني فعلاً لا أعرف!

ونرجع إلى الرتوش الجمالية التي كانت تضفي لمسات حنونة إلى ذلك الوقت بحضرة أهم عنصرين وهما "شاهي وبسكوت" واللذان إن لم يتواجدا فإنّ المتعة كانت تقل أو تختفي! ولأجل التجربة المتكاملة كان حضورهما أمرًا مقدسا لممارسة تلك العادة اليومية بمشاعر متكاملة لا ينقصها شيء.

ورغم أنني لست من محبي شرب "الشاهي" بالحليب والسكر، إلا أنّها المفضلة دائما لتغميس البسكوت، والتي في طفولتنا كانت بسكوتات دائرية تشبه إلى حد ما بسكويت ماري المتواجد حاليا في الأسواق ولكن بحجم أكبر وطعم ألذ، ثم فجأة تم استبدالها ببسكويت نبيل العماني حين دخل إلى الأسواق، والذي لم نتقبله في البداية إلا أننا لاحقا أدمنا عليه خاصة مع تغميسة الشاي الكرك المنزلي. وبسكوت نبيل كذلك كان أكبر حجماً منه الآن وبلون أدكن.

ولا زلت لا أستمتع بتغميسة البسكوت بالشاي بدون التلفزيون، وإن تواجد التلفزيون يبقى هناك أمرٌ ناقص وهم الصحبة وتواجد الأحباب والذين إن تواجدوا سوف لن يكونوا نفس الأشخاص الذين كانوا حولنا في طفولتنا! ولأجل ذلك أنا أؤمن حق الإيمان بأنّ المشاعر الجميلة التي تطبع في أذهاننا ترتبط بنفسياتنا وتتعلق بتفاصيلنا ورغبات عقلنا الباطن من خلال ذكرياتنا، وهذا الترابط المتين في تلك المكونات لا يسمح لتلك المشاعر بالظهور مرة أخرى إلا إذا تواجدت جميع المكونات السابقة بأدق تفاصيلها! ولكننا وإن لم نستطع الوصول إلى نفس المشاعر، إلا أننا نتقبل الشبيه به.

وفي قاموسي الشخصي "الشاهي" من المشروبات الحنونة الدافئة التي تحتوي المتجمعين عندها بحب، وينطلق سحرها الرائع في التجمعات العائلية، ومع تواجد الأصدقاء والأحباب، وحين نزول المطر.

ومن الجميل استئناف ممارسة هذه العادة في الوقت الحالي مع أزمة كورونا وخاصة أن المشروبات الساخنة هي "المنصوح" بها.