سمير الهنائي
بداية، لم أكن راغبا في كتابة هذا المقال، ألا أن تسليط الضوء على القضية كان دافعا لهذا من مبدأ إنساني وديني يعاني منه المسلمون في الهند؛ فمن خلال رحلاتي التي قمت بها في التوغل داخل المجتمع الهندي عبر سنوات من أسفاري، والتي قد جمعتها داخل كتاب في "أدب الرحلات" وهو قيد الطبع حاليا. كانت الهند سابقا بالنسبة لي وكغيري، وممن يشاركني الرأي، هي الاستثناء في نجاح مفهوم "العلمانية" الحداثي عند الأغلبية كتعايش سلمي في كافة طوائفه، الا أن في ذلك كان المتصدي الأكبر لي هو الشك والموضوعية حول ذلك، نتيجة بحث واسع قمت به قادني إلى الحقيقة المظلمة في الهندوسية كغيرها من الديانات الإنسانية أو السماوية على وجه البسيطة، والتي لم تخلُ من الصراعات والتعصُّب بكافة أنواعه عبر التاريخ، ومن المؤسف أن لا نعترف جميعنا بأنَّ صراع الحضارات هو حقيقة أزلية لا يمكن الوصول إليها بسهولة، ولكنها حاضرة وستبقى سواء أخمدت أو أشعلت، قد يرى البعض أنَّ الصراعات العرقية والدينية شبه منقرضة في المجتمع الهندي، لكنها كانت موجودة، وهذا ما لمسته شخصيًّا عند معايشتي له على أرض الواقع، خاصة اظطهاد المسلمين، إلا أنني لا أريد التعميم، وإنما في المدن والولايات التي يكثر فيها المتشددون في الهندوسية، وعلى سبيل المثال أتذكر الأحداث التي وقعت في العام 2011م في ولاية "براديش" وما وقع من أعمال عنف وقتل ضد الأقليات الدينية المسيحية والمسلمة، والتي كانت من قبل قيادات هندوسية.
لقد سبق وسلطت الصحافة الهندية في فترات الضوء على أدوار لمنظمات هندوسية متطرفة مثل "آر.إس.إس" التي حازت ونالت إعجاب اسرائيل بأنشتطتها، فهذه المنظمة تشيد وتتبنى فكر الصهيونية في كيفية استيلائها على دولة فلسطين، ومسيرة نجاحها وتقدمها كمثال لتحقيق ذلك الحلم داخل الأمة الهندوسية، فيطلق الهندوس المتعصبون داخل الهند على المسلمين بالمحمديين، فتقوم مثل تلك المنظمات على تدريب وتأهيل الأطفال والشباب من الجنسين على العنف والقتل ضد الأقليات بشكل شبه سري وفي أماكن معزولة، وهم يبررون أن هذه التدريبات هي نتيجة الخوف من الهجمات التي قد يقوم بها المسلمون كدفاع عن النفس وفق توصيفهم، إلا أن هذا الأمر في حقيقته هو مُجرد غطاء لأهدافهم، وهم يقُومون أيضًا بنشر المناهج الدراسية في عقيدة "دورجا"، والتي تعد أشرس آلهة في أدبيات الهندوسية، وهذا ما جعل النواب البرلمانيين يعملون على تقنين المواد الدراسية التي تحضُّ على العنف والاضطهاد في بعض الولايات ذات الأكثر نفوذا من الهندوس، مطالبين بأن تكون جمهورية الهند دولة هندوسية بحتة، ردا وانتصارا ضد ما فعله المغول في الهندوس في الماضي والذين يطلقون عليهم المحمديين.
ومن خلال اطلاعي على كتب بعض المفكرين الهندوسيين، يقولون إن تاريخهم مطموس ومليء بالمجازر التي ارتكبها المغول؛ لذلك كان لا بد من مدارس فقهية تتبنأ بكل ذلك لكي ترسخ في عقول الأجيال العداء المستمر ضد المسلمين، أو خطر المحمديين على الهند كما يصفون ويدعون، إلا أنَّ الجيل المثقف منهم يرى أن ما يحدث الآن في الدول العربية والإسلامية هو الخطر القادم على الأمه الهندوسية وعلى الهند كافة، وبات عدد المسلمين الذي تجاوز 200 مليون مسلم ناقوس خطر يؤرقهم.
وهنا.. سأحاول أن أُوجِز بعض المجازر والأحداث التي ارتكبها الهندوس عبر التاريخ منذ استقلال الهند وحتى اللحظة، معتمدا في التواريخ على مصادر ويكيبيديا والصحف المتفرقة التي وثقت تلك الأحداث، ولعل من أبرزها: هجمات كالكوتا في العام 1964م، ومذبحة نيلي العام 1983م، واعتداءات غوجارات الأكثر شهرة، والتي امتدت على فترات منذ نهاية الستينيات من القرن الماضي وحتى نهاية الثمانينيات، لتعود مرة أخرى في مطلع القرن الحالي، ناهيك عن عملية اغتيال المهاتما غاندي، والذي دفع حياته ثمنا لدفاعه عن الأقلية، وأيضا مذبحة هاشمبورا في العام 1987م، إضافة للهجوم على مسجد بابري في 1992م، ومرورا بأحداث مظفرناغارا 2013م، كل هذه الجرائم ناتجة عن التطرف الهندوسي، وأن حوادث غوجارات كانت الاكثر بشاعة على امتدادها التاريخي الدموي، ونتذكر هنا المذبحة الأخيرة في العام 2002م، وحينها توجهت الاتهامات من قبل الصحافة المستقلة في الهند والمنظمات الحقوقية، وأيضا العالمية إلى حزب "بهاراتيا جاناتا "، وهو الحزب المعادي للعلمانية وللديانات الأقلية، والذي كان يترأسه حينها رئيس الوزراء الحالي ناريندرا مودي، عندما كان حاكما لولاية غوجارات في تلك الفترة، وقد عُرض للمحاكمة التي أَعْتَقِد أنها كانت مشبوهة؛ لأنها امتدت في التداول نحو عشر سنوات ولكن تمت تبرئته، وكما هي العادة في أغلب محاكم المجازر التي شهدتها الهند منذ القرن العشرين الماضي وحتى الآن في 2020م.
ولم تقتصر مظاهر العنف على المسلمين وحدهم فحسب، بل أيضا طالت المسيحيين والسيخ، وباقي الطوائف العرقية والدينية، أنَّ الصراعات الأيديولوجية قائمة إلى أن تقوم الساعة والعتب على من يبدأ به، فسقطتْ العلمانية المثالية في الهند كغيرها سابقا وللتاريخ الحكم والفصل، فقط لنحترم عقول الآخرين، وللتاريخ أيضا والعتب على من لا يزالون يتشبثون بالعلمانية ويروجون لها، والذين اعتقدوا أنها سوف تكون الحل، وتزيل كل الفروقات والصراعات المختلفة، أولئك مِمَّن يروون حقائق وينقلون مصطلحات براقة، لكنهم لا يصلون إلى حقيقتها.