جابر حسين العماني
عادة ما تكون الإشاعة أكثر فتكاً ودماراً للإنسان من الأسلحة الكيماوية والنووية، لأنها - وبكل بساطة- تغزو العقل البشري، وتجعله متحجرًا لا يعي ما حوله من حقائق اجتماعية، كما تعمل على شق الصفوف وتعبث بالوحدة الوطنية والاجتماعية، وتعمي الناس عن قول الحقيقة، وتضلهم عن السير على النهج القويم والصراط المستقيم، وهي بالتالي سلاح فتاك يهتم به الفاسدون والمفسدون الذين لا يؤمنون إلا بلغة القيل والقال بدون التأكد والتحقق مما يتم نشره وترويجه من أجل تحقيق غاياتهم ومصالحهم الخاصة.
وعادة ما تتسبب الإشاعة الكاذبة والمغرضة في انتشار الفوضى بين أفراد المجتمع الواحد، ولا يكاد يخلو مجتمع من المجتمعات من هذه الآفة التي باتت تهدد المجتمعات وأفرادها بالجهل والتجهيل، لذا حارب الإسلام آفة الإشاعة والأخبار الكاذبة التي يراد منها بث سموم الكراهية والأحقاد بين الأفراد قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)، فالتثبت في النقل غاية مطلوبة من الجميع لأنّه يدرأ الفتنة عن المجتمع ويحمي البلاد والعباد من الانجراف إلى الضلال والتضليل الاجتماعي.
جاء أحدهم الى أحد الحكماء وقال له: يا مُعلمي: أحد تلاميذك قال عنك اليوم كلاماً!
فقاطعه الحكيم العاقل قبل أن يخبره بالكلام، وقال له: دعني اسألك ثلاثة أسئلة (بمثابة الفلتر) وبعد أن تجيب عنهم فأخبرني بما سمعت. أمّا السؤال الأول: هل أنت متأكد أنّ الكلام الذي قاله عني صحيح؟ فقال له: سمعت من أحد الأشخاص يقول ذلك، فقال له الحكيم: إذا أنت لستَ متأكدا.
أمّا السؤال الثاني: الذي قاله عني جيد أم سيئ؟ فأجاب: إنه سيئ، فقال له الحكيم: يعني كان سيضايُقني.
والسؤال الثالث: ما سوف أسمعه منك هل يضرني أم يفيدني؟ فقال: سيضُرك.. فقال له الحكيم: أي أنك ستضرني ولست متأكداً من الذي تقوله، ولا تعرف إن كان صحيح أم لا، فلماذا إذاً تريد أن تذكره لي، أنا لا أريد أن أسمعه!
كم هي كلمات رائعة قالها هذا الحكيم العاقل اللبيب، ولكن الأروع والأجمل هو ما قاله نبينا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: (لا يبلغني أحدكم عن أصحابي شراً، فإني أريد أن أخرج لكم وأنا سليم الصدر).
هناك من يستقبل الإشاعات وكأنها حقائق سليمة وصحيحة بل ولا نقاش فيها فيملأ بها سمعه وبصره، لذا على الإنسان أن يكون شديد الحذر من نشر وترويج الإشاعات المغرضة التي تأتي من هنا وهناك، فإذا سمع الإنسان بخبر من الأخبار، أو قرأ عبر وسائل التواصل الاجتماعي ما يثار، أو شاهد عبر الإعلام المرئي والمسموع ما يدار، وكان ما سمعه وشاهده فيه نوع من الاستنقاص أو التهمة والإساءة للوطن والمواطن والحاكم والمجتمع، فما عليه إلا أن يتريث قليلا حتى يتحقق من صحة مصدر ما وصل إليه، فمن المؤسف جدا نرى من سمع خبرا، أو رأى صورة، أو قرأ منشورا من هنا وهناك يقوم بنشره وترويجه سريعا في كل مكان، حتى لو كان لا يعرف ولا يعي من أين مصدر ذلك الخبر، والأدهى والأعجب والأمر من كل ذلك هو تصديق الخبر بلا تأكد أو تحقق أو تدبر .
كم دمرت الإشاعات مجتمعات وفرقت بين الأهل، والأقارب، والأحبة، وأهدرت الأموال، وأفسدت العلاقات الاجتماعية والأسرية، فمن يريد نشر ما قرأ أو سمع على شبكات التواصل الاجتماعي أو الحوار المباشر بينه وبين الغير عليه مراعاة الآتي:
* التروي والتأني قبل النشر؛ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم "التأني من الله والعجلة من الشيطان".
* أخذ المعلومة من المصادر الرسمية.
* التثبت من الشيء المراد نشره وترويجه، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ).
ومن طرق التثبت في النشر التفكر جيدا في محتوى الإشاعة أو المعلومة ذلك لتحري صدقها من كذبها قبل القيام بنشرها مجددا قال تعالى (مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ).
* إرجاع الأمر إلى أهل الاختصاص، قال تعالى: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا).
*أن يكون المنشور المراد نشره فيه مصلحة عامة للناس فلا يجوز النشر إذا كان الغرض منه تقديم المصلحة الخاصة على المصلحة العامة.
* أن تكون هناك مصلحة متحققة من النشر تصب في صالح المجتمع وأفراده.
* مراعاة الاحترام والتقدير وعدم إهانة أو استنقاص الآخرين من خلال ما يراد نشره وترويجه.
أخيرا، على كل من يريد المشاركة في نشر ما يقرأ أو يسمع عبر برامج التواصل الاجتماعي أو الحوار المباشر أن يعلم جيدا: أنّ عقول الناس أوعية نظيفة فطرها الله على حب الكلمة الطيبة التي لا تقبل إلا طيبا، فلا بد من مراعاة ما يسكب في أوعية تلك العقول، وذلك من أجل المحافظة على فطرتها الإنسانية التي أرادها الله سبحانه وتعالى أن تكون مصدر خير للإنسان في الأسرة والمجتمع.