الاستيطان حقق نجاح نتنياهو

 

عبيدلي العبيدلي

فيما ينشغل العالم بمتابعة فيروس "كورونا"، وتصاعد عدد الإصابات التي لم تعد محصورة في الصين فحسب، بل امتدت كي تضرب العالم، والتداعيات التي يمكن أن يفرضها، ليس على الخدمات الصحية، فحسب، وإنما على الاقتصاد العالمي برمته، الذي بلغت خسائره المباشرة أرقاما فلكية، يعيش الكيان الصهيوني تداعيات نتائج الانتخابات الأخيرة التي بدأ الحديث عنها منذ ما يزيد على شهر، حيث ستفرض تلك النتائج إفرازاتها المباشرة وغير المباشرة، وبشكل حاد، على مسار الصراع الفلسطيني الصهيوني لفترة قادمة غير قصيرة.

فقبل شهر واحد من موعد الانتخابات الإسرائيلية الثالثة، وتحديدا في يوم الأربعاء الموافق 5 فبراير 2020، "هدد نتنياهو، خلال لقاء مع عمد المجتمعات الإسرائيلية، إنّه بينما تبذل إسرائيل جهودًا كبيرة لضمان الهدوء في المنطقة، فّإن الجيش مستعد لعملية في غزة إذا لزم الأمر". مثل هذه النبرة التهديدية، سوف تتحول إلى سياسة بعد الفوز الذي حققه حزب الليكود، في تلك الانتخابات.

مقابل ذلك، وفي أول تصريح فلسطيني، فور ظهور نتائج تلك الانتخابات التي حملت، مرة أخرى، حزب الليكود، بزعامة بنامين نتنياهو إلى سدة حكم الكيان الصهيوني، جاء على لسان أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات، شدد على أن "الاستيطان والضم والأبارتيد حقق فوزا في إسرائيل"، مضيفا على حسابه في (تويتر) "‏لقد فاز الاستيطان والضم والأبارتيد.. (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو قرر أن استمرار الاحتلال والصراع هو ما يجلب لإسرائيل التقدم والازدهار".

ودون الحاجة لإغراق القارئ بتفاصيل ما سيدهور داخل ردهات الكنيست، التي تعبر في جوهرها عن طبيعة الصراعات في مكونات المؤسسة الصهيونية، نكتفي بالتوقف عند ما ستعنيه هذه الانتخابات على تطورات الصراع الفلسطيني – الصهيوني.

فمن الخطأ القاتل النظر على أنّ محصلة ذلك الفوز ستكون سلبية بالمطلق على تلك التطورات. فربما، وهو أمر لا تريده المؤسسة الصهيونية، بطبيعة الحال، تكون تلك النتائج، بما سوف تحمله من سياسات العدو، سببا مباشرًا في تقليص الخلافات داخل المؤسسة الفلسطينية، التي لم يعد، حتى لدى أكثر الأجنحة مرونة قدرة على تقديم أية تنازلات مقابل أية مشروعات تسوية، والتي باتت تتصدرها "صفقة القرن" الأمريكية، التي ذهبت في مصادرتها للحقوق الفلسطينية إلى أبعد كثيرا مما أقره المجتمع الدولي، ومؤسساته، بما فيها قرارات الأمم المتحدة، والمؤسسات المنبثقة عنها، أو ذات العلاقة بها.

هذا لا ينفي تلك المكاسب، حتى، وإن كانت آنية، وذات مدى قصير، بالمقياس التاريخي لطبيعة الصراع، التي سوف يحققها الكيان الصهيوني وحلفاؤه.

تتفرع مكاسب نتائج تلك الانتخابات التي أعادت نتنياهو إلى كرسي الحكم، إلى فئتين: الأولى ذات طابع شخصي، وتمس نتنياهو على نحو مباشر، والأخرى سمتها سياسية، وذات علاقة بالمشروع الصهيوني، العدواني ذاته.

فعلى المستوى الشخصي ضمن نتنياهو حصانة دبلوماسية، مهما كانت ضعيفة، لفترة كافية لتزويده بالتهرب من المثول أمام القضاء الصهيوني. إذ تواجه نتنياهو مجموعة من التهم ضجت بها الكثير من المواقع الإلكترونية تتصدرها "استخدام زوجته للأموال العامة.. وتهمة الكسب غير المشروع والاحتيال وخيانة الأمانة". أمّا بالنسبة له شخصيا، وبشكل مباشر، فهناك ثلاث قضايا ما تزال أمام محاكم الكيان الصهيوني، تأتي في مقدمتها، "اتهام ملاك شركة بيزك بتقديم تغطية إعلامية إيجابية عن نتنياهو وزوجته في موقع إخباري يسيطرون عليه في مقابل قيام نتنياهو بمنح الشركة مزايا وخدمات من الهيئة المنظمة لعمل قطاع الاتصالات. وثانيها هي الرشوة والاحتيال وانتهاك الثقة. والثالثة قبول الشرطة الإسرائيلية ما يقرب من 300 ألف دولار في صورة هدايا من قطب هوليود أرنون ميلشان، والملياردير الأسترالي جيمس باكر".

والقائمة طويلة، وليس هنا مكان سردها، خاصة أنّه لم يتم الكشف عنها جميعا، تحت مبررات أمنية كما تدعي الدوائر الحاكمة في تل أبيب.

أمّا على المستوى السياسي، فمن الطبيعي أن تسارع حكومة نتنياهو بالإيعاز إلى اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، كي يقف وراء الحزب الجمهوري. فنجاح الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب، يعني التزام الإدارة القادمة بما أصبح يعرف بـ "صفقة القرن"، التي أعلن عنها ترامب في حضور نتنياهو. وهذا يعني ارتفاع أمل الجمهوريين في إلحاق الهزيمة بالديمقراطيين الذين ما تزال المنافسات الحادة تسود صفوفهم قبل الإعلان عن مرشحهم.

وعلى المستوى السياسي أيضا، وفي الإطار الإقليمي، من المستبعد ان يدخل نتنياهو في معركة مباشرة مع طهران، التي كشفت بشكل غير مباشر عن "عدم انزعاجها من تلك النتائج"، بعدم مهاجمتها من جانب، والتشدد مع الفريق الدولي المناط بالتفتيش على منشآت مشروعها النووي من جانب آخر.

وعلى المستوى الإقليمي أيضا، سوف يضمن نتنياهو "حيادية الجبهة الشرقية"، التي ستكون مشغولة بترتيب وضع "سد النهضة"، التي تترأس جلسات "تسوياته" حكومة ترامب. وكما يبدو من مساراتها، لن تستطيع القاهرة الوقوف في وجه "صفقة القرن"، كي لا تفقد الثقل الأمريكي في تلك المحادثات، بعد "تصاعد التوتر في حوض النيل منذ بدأت إثيوبيا العمل على المشروع عام 2011 والذي تعتبره حيويا لاقتصادها، في حين تخشى مصر أن يؤدي ذلك الى خفض حصتها من مياه النيل الذي يوفر جميع احتياجاتها المائية تقريبا".

والأمر ذاته ينطبق على جبهة الجولان، بفضل التطورات الدرامية التي تشهدها الساحة السورية وخاصة في ريف إدلب السوري، الذي بات يهدد بانفجار عسكري، جراء التصعيد التركي الذي لا يبدو في الأفق ما يلجمه. وتشير الاحتمالات إلى إمكانية التوصل لحل، لن يكون في صالح الحكومة السورية، حتى وإن بدا ذلك للمراقب. إذ تتقاسم النفوذ في الساحرة العسكرية العواصم الثلاث: موسكو، طهران، وإسطنبول.

في خضم كل تلك التطورات، يغيب الصوت العربي، بل يمكن القول، تتوارى السياسة العربية التي يفترض فيها أن تكون الجبهة المواجهة لنتائج الانتخابات، التي لا يمكن أن تقف حدودها عند تخوم الصراع الفلسطيني – الصهيوني.