الانشقاق المُبرمج

 

فاطمة الحارثية

أخذت أشاهد عددا وإن كان بسيطا من فتياتنا وهن ينشققن عن عاداتنا وديننا الحنيف، ولا أخص هنا بلدا معينا، بل الفتيات المسلمات العربيات إجمالا. تابعت قصص بعضهنّ ونشاطهنّ عبر مواقع التواصل المختلفة، لجوء سياسي! عربدة! بل وبلغ عند بعضهن مبلغ الردة والإلحاد!

متابعتي لم تكن فضولا هذه المرة، بل قلق ساورني لأنني أخت وأم وصديقة وأنثى في ذات المجتمع، لماذا وكيف ومتى أُدلجت هذه الأفكار والسلوكيات بيننا؟ وهل بالمثل هناك شباب ذكور يأتون بتلك الأفعال؟ ربما لكنّها لم تحمل ضوضاء وصخب الإعلام لندركها.

كيف: بدأ الأمر وانسل إلى فكر الفتيات؟ استطاع من اجتهد أن يؤثر على قيم راسخة؟

لماذا: فتيات الإسلام؟ الحجاب؟ المرأة؟ الدين؟

متى: بدأ الأمر؟ انتشرت بذور الفساد؟ تمكّن منهنّ ومن مجتمع ثابت؟

أسئلة لا يمكن لمقام مقالنا أن يحصرها لكن بكل تأكيد تحتاج إلى إجابات، عن نفسي أحتاج وأريد هذه الإجابات لأعلم كيف أساهم في إيقاف هذا التيار وأبعده عنّا وأحصن كل عزيزة منه. متى تفقد الفتاة نفسها وذاتها أي متى يفتح لها عقلها باب الانجراف؟ سمعت إجابات مختلفة وتفسيرات كثيرة لكن بكل تأكيد ثمة إجابة مشتركة أو مفردة تتكرر في معظم الأقوال؛ وهي عندما تفقد الفتاة الأمان والثقة؛ قد لا يتفق البعض على هذه (الإجابة المتكررة) ويُحيل الأمر إلى (ضعف الإيمان) فالدين هو للبعض تفسير لكل شيء رغم أنّ الله سبحانه وتعالى بيّن لنا النفس الإمارة بالسوء وحذّرنا من شهوات النفس؛ بمعنى آخر الأمر ليس محصورا على قوة أو ضعف الايمان بقدر ما هو مرهون برغبة النفس واتباع الشهوات.

إن نظرنا إلى طبيعة البشر الفكرية نجد أنه يرنو إلى الحرية والاستقرار في حياته، وأقصد هنا أنّ من بالفعل يُريد الانشقاق والمضي خانعًا لنفسه الأمّارة بالسوء لا يحتاج ولن يعلن المجاهرة أو يأخذه وميض شبكات التواصل الاجتماعي لأنّه يريد أن يعيش عربدته ومتعته بسلام. إذًا ما قصة صياح فتيات مواقع التواصل الاجتماعي عن الاضطهاد والمساواة وما يتبع ذلك من قصص القمع والهيمنة الذكورية والتسلط والتهميش وطلب اللجوء السياسي لدول الغرب تحت ادعاءات الخطر والقتل وحرية الدين والمرأة؟.

لماذا بدأت هذه الظاهرة فجأة، وتحديدا بعد سقوط بعض المنظمات الإرهابية التي عملت جاهدة على تشويه الإسلام وإقلاق السلام بين الشعوب؟ هل هي وسيلة جديدة من قائمة سبل وطرق تدمير الحياة والخير على الأرض؟ إنني لا أرى أن الأمر يمت لأي دين بصلة بقدر ما هي أعمال تزعزع الاستقرار والحياة ومصالح فردية، وإن أعدنا التمحيص فيها وجدنا ألا خير ولا صالح عام يرجى منها.

ربما ضعف المرجعية ومصادر الإرشاد الاجتماعي غرر ببعضهن، وأيضا البعد الفكري فيما يعمل به ويتداوله الناس؛ فالثقافة النظرية دون خبرة أو ذكاء عاطفي لا تأتي إلا بأعمال فاشلة وتغريب الإنسان عن ضوابط الحياة الاجتماعية والإنسانية. كما أنّ المبادئ والقيم والقدوة الحسنة أصبحت مثاليات عزف عنها الناس وكثر قوم (يقولون ما لا يفعلون) مما أوجد حالات الازدواجية في السلوك.

جسر..

لن أقول إن الرقابة الذاتية هي وسيلة للنجاة؛ فالحال لا يعتمد على الفردية وإن ولدنا فرادى وسندفن كذلك، بل وجب إيجاد النقص والثغرات في بنية الاعتقاد لدينا، فالاكتفاء بالاستماع والقراءة والمتابعة من مصادر مختلفة دون التحقق من أهداف وأبعاد هذه الكتب يولد مفاهيم سطحية تخلو من الحقائق في أغلب الأحيان مما يخلق مناخ النزوح عن الحياة السوية. وجب العمل على وضع القيم والمبادئ على رأس هرم الأولويات، وبناء معيار متوازن يقيّم كل المتغيرات بصورة تخدم الفرد والجماعة في آن واحد.