مستقبل عُمان في خطاب!

حمد بن سالم العلوي

إنَّ الخطاب السامي الذي تفضَّل به حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- يوم الأحد الماضي، تضمَّن منهاجَ عمل ينقل السلطنة إلى خضم الرؤية المستقبلية 2040؛ وذلك بوضع الأهداف المراد تحقيقها من خلال خطوات جادة، وحقيقية ومُلزِمة للجميع، وما يجعلنا نتفاءل خيراً في ذلك، إن جلالته -أعزَّه الله- هو من سبق وأوكل إليه الإشراف على صياغة الرؤية المستقبلية؛ لذلك فإنَّ جلالة السلطان المفدى يعرف ما يريد أن يتحقق لعُمان الغد، ويضاف إلى ذلك أنَّ جلالته كان يعيش الحالة الآنية للدولة ومن مسافة قريبة جدًّا من واقع الحال؛ فقد شخَّص الوضع بنفسه وبهدوء وروية، وبغفلة من عيون الآخرين، فمنهم من لا يريد أن يُرِي المسؤول إلا ما يرى "هو" وقرناؤه دون غيرهم، خاصة أولئك الذين يلوِّنون للرائي بما يحبون "هم" أن يَرَى غيرهم من الأشياء، وحسب وجهة نظرهم، ولكن جلالته -أعزه الله- ربما كان محظوظاً أن الكثيرين غفلوا عنه، ونأوا عن طريقه بعيداً بما أُغفِلوا عنه، رحمة من الله بعمان من مكرهم، وهنا كانت الأريحية في التمعُّن بهدوء في كل أركان الدولة ونواحيها.

إنَّ جملة الخطوط العريضة التي تُستخلص من هذا الخطاب العظيم، قد أوضحت بجلاء كبير المسار الذي ستكون عليه عُمان بعد الثالث والعشرين من فبراير 2020، ويا سبحان الله تأتي التقادير الربانية في الثالث والعشرين من كل شهر، فهكذا كانت الانطلاقة الأولى قبل خمسة عقود مضت؛ حيث كان البدء في الثالث والعشرين من يوليو 1970م في صلالة، وها هي اليوم تتكرَّر بنفس التوافق العظيم، الذي قدَّره المولى -عز وجل- لخير عُمان وعزة سلطانها وشعبها الأبي، ومن القِيم العظيمة لعُمان كذلك أن يأتي الله لها بقائد كريم، يخلف قائداً كريماً فيُشِيد بمنجزاته السابقة، ويَعِدُ بأن يُعلي ما قد أتم القائد الراحل -عليه رحمة الله وغفران منه تعالى وبركات- وذلك على عكس أمم أخرى، فحينما يأتي البديل فإنه يَعْمدُ إلى مسح كل حسنة ورِثَها عن سلفه، فيقوم بعد الهدم بالبناء من جديد، ولكن الأمة العُمانية ستظل مختلفة بما تحمله معها وفي نفسها من خير لها ولجيرانها والعالم أجمع، وستنسف الأحقاد والأضغان لتلقي بها خلف ظهرها، ولن تنظر إلى الخبائث إلاّ بما يُميزها من خير وإحسان ورفعة وكرامة.

إنَّ كل نقطة وردت في الخطاب السامي لجلالة السلطان هيثم  -أيَّده الله بنصر منه وتوفيق- ستكون في موضع الاهتمام والتطبيق والمتابعة والمحاسبة والمساءلة، ولا شك ولا جدال في ذلك، هذا ما يؤكده العارفون بشخصية جلالته الحازمة، وقد أعلن -أعزَّه الله- أن لا همَّ سيشغله عن عُمان، وقد نذر نفسه لخدمتها والارتقاء بها وبشعبها إلى مَا يحبُّ الله ويرضى؛ إذن فعلى كل عُماني أن يُشارك بفاعلية في خدمة الوطن، وأن يضع يده بقوة وصفاء في يد جلالة السلطان القائد، لأجل التقدم والرقي بعمان إلى أعلى درجات المجد والعز، وأن يد الله فوق أيدي المخلصين المؤمنين الأوفياء، وعلينا أن نعلم علم اليقين أنَّ الوافدين الذين قدِموا للعمل لهم الإحترام منا كعمانيين، ولهم حقوقهم مقابل الخدمة التي يقدمونها بموجب عقود العمل، لكن البناء الحقيقي للأوطان، لا يكون إلا بجهود وإخلاص الشعب العُماني نفسه بنفسه لوطنه وسلطانه؛ فعلينا أن لا نطيل فترة الانتظار، حتى تأتي الفرص التي نرغب فيها، بل العمل الجاد والصبر والتفاني من أهم العناصر التي تخلق الفرص الكريمة، والمناسبة للإنسان العُماني، لقد خلَّف لنا الأجداد الصَّبر والجلد والمصداقية في العمل.

لقد وَعَد جلالة السلطان المعظم في خطابه السامي -وهو لا شك سيكون منهاج عمل للسير بعمان إلى المستقبل- بأن تُزاح العوائق والبيروقراطية الإدارية من طريق النهضة؛ وذلك لتمهيد سبل العمل، ودفع عجلة التقدم إلى الأمام، وإن العُقد المريبة التي كانت تقيِّد بعض المشاريع، وتنفِّر الاستثمار الداخلي، أو الوافد إلينا من الخارج، سيتم التغلب عليها بالأنظمة المرنة، والعقول النيرة والأمانة والمصداقية، وإن النزاهة والمساواة في فرص العمل أداتان مهمتان في تمكين عجلة التقدم من المضي إلى مستقبل مهم ومبشِّر بكل خير لعُمان، وجوار عُمان من الدول، فكل ثورة عمل ستعم بفائدتها القريب والبعيد، وتاريخ عُمان يَشيِ بالخير العميم للكافة.

إنَّ بعض وسائل الإعلام المحلية -خاصة المسموع والمرئي منه- لم يعطِ الخطاب السامي حقَّه من التحليل والنقاش والتوضيح؛ وذلك رغم ما حمله من مفاهيم وقيم عظيمة مبشِّرة بمستقبل واعد لعُمان وشعبها الكريم، لقد نقلت بعض الفضائيات العربية فقرات مطولة من الخطاب السامي، لإدراكهم بأهمية ما ورد فيه من تحول منتظر على النهضة العُمانية المتجددة مع العهد الجديد، لكن الهيئة العامة للإذاعة والتليفزيون نشطت في تغيير الشِّعار والدِّيكورات الداخلية فقط، إلا أنَّ المضمون ما زال يتَّكئ على المسند الرسمي كمشجب فضفاض؛ ذلك رغم أن السلطنة تمتلك الكثير من المحللين السياسيين والاقتصاديين والاجتماعيين الناضجين والمشهود لهم بالكفاءة والمقدرة، وقد أصبحت تعرفهم وكالات الأنباء العالمية، ولكن إعلامنا الوطني يغض الطرف عنهم.

وإنَّ المتمعن في الوضع الداخلي للباحثين عن عمل، قد لا يرى تلك المعضلة الكبرى في موضوعهم، وإنما هناك حلول ليست صعبة تلوح في الأفق؛ وذلك بالنظر إلى وجود 1.7 مليون عامل وافد،وهم يجدون عملاً مريحاً ومشرفاً لهم، فلماذا لا نستطيع توفير ما نسبته 20% من هذا العدد للعمانيين؟! إلا لأن هناك إخفاقات كبيرة في النظم والإدارة الوطنية، وضعف في الإرادة من بعض المسؤولين، واهتزاز الثقة في الإنسان العُماني، رغم المعالجات التي شارك فيها فيلسوف النهضة الماليزية الدكتور مهاتير محمد بنفسه، إذن ربما احتجنا إلى خبراء في علم النفس الاجتماعي أولاً للتمهيد للفكرة، ونعمل على إقناع الطرفين بعكس ما يظنون من أية استحالة في الأمر.

حفظ الله عُمان وشعبها العريق وسلطانها الأمين من كيد الكائدين وحسد الحاسدين وخذلان المتخاذلين والمخذولين في الداخل والخارج، وغفر الله لسلطاننا الراحل قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه، وتغمد روحه بالجنة لما ورَّث من نهضة وأمجاد ورفعة لعُمان وشعبها.