ترابط الأهداف الرباعية


د. شريفة بنت علي القاسمية
خبيرة بحوث ودراسات بوزارة التعليم العالي
واستكمالا لحديثٍ قد رويناه في مقالاتنا السابقة، تأتي ثنائية الرفاهية الاستهلاكية الحضور المقرونة بارتفاع معدل الدخل القومي ومتوسط دخل الفرد ودخل الأسرة المعيشية ليقول إنّ القراءات انحازت نحو الإنسان العماني فضلاً بعمانيته وكينونته؛ كونه ولد في عصر الملحمة وفي أشد الأوقات ازدهاراً وبلا منافس في الوقت الراهن، واشتقاقاً من رحم التَّنَّور والتغيير فإنّ الدراسات تأتي مؤيدة بالإحصائيات لدلالتها الرقمية على التغيير شمولياً وتزامنياً مع عصر النهضة.
ورغم تناولنا للهدفين الأول والثاني لمفهومين يكادان يكونان وجهان لعملةٍ واحدة، إلا أنّه يقيناً ندرك حقاً أنّ إنجازهما لقياس تحقق الغايات يأتي في مقدمة الأهداف السبعة عشر وأن ترابطهما بشكلٍ أو بآخر مع الهدفين الثالث والرابع وهما التمتع بصحة جيدة والحصول على تعليم جيد يعزز أهميّة مكافحة الفقر والجوع قبل كل شيء وثالوثهما الجهل لتأمين الحصول على الاحتياجات الأساسية كدوافع تحرك البشر أثناء نموهم؛ بغض النظر عن اتفاقنا أم اختلافنا مع الوجهه النظرية لترتيب هذه الاحتياجات فسيولوجية كانت أم اجتماعية. وخلافاً للاشتقاقات الجدلية حول مفهوم الرفاهية نوعاً فإنّ الإجماع الاقتصادي يقودنا للاتفاق معه في ماهية الرفاهية وثقافتها؛ فتوفير الرفاهية التي تتبناها الدول المتقدمة من خلال برامج حكومية لخدمة فئة العاجزين عن توفير احتياجاتهم الأساسية وغيرها من خدمات يوفر الرفاهية ويعززها مجتمعياً. وقبل الولوج في طرح أهم الإحصائيات فسوف يكون حرياً بنا الإشارة للرفاهية التي تحيط بجهود الحد من الفقر والجوع وتحسين معدلات الصحة والتعليم المؤكدة على ارتفاع معدلات النمو الاقتصادية (أي نمو الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد) المتمثل في ارتفاع معدلات الطاقة الغذائية وتحسين التنوّع الغذائي كمًّا ونوعاً كدلالات أساسية في تحسين معدلات الصحة العامة بمظاهرها الجسدية والنفسية، فضلاً عن المساعي الفاعلة في توفير الحماية الاجتماعية التي ضمنياً تشكل محركاً أساسياً في التغيير السلوكي من عدمه، وبالنظر إليها كبعد سكاني فإنّها جزماً تعمل كغلاف هوائي للسكان. لذلك فإنّ تآلف أركان الاحتياجات الأساسية للفرد من شأنها أن تحقق النمو الاقتصادي والمعرفي والاجتماعي للسكان.  
ويأتي ارتفاع معدلات التنمية البشرية كدلالة واضحة على تواتر تطبيق هذه الأهداف وتعزيزها. وانطلاقاً من إيمان السلطنة في أنّه "ما لا يمكن قياسه لا يمكن تحقيقه"، فإنّه وبالنظر إلى أداء مؤشرات التنمية المستدامة فإننا نستشرف وبتفاؤل نحو تحقيق الهدف من خلال تقييم مستوى التقدم المحرز المرتبط بأهداف التنمية المستدامة، ووفقاً لنتائج الغايات ومستوى تنفيذها من خلال قياس الاتجاه العام لسلاسل قيم المؤشرات المتوافرة والتي تشير إلى تحقق الأهداف والغايات قبل عام 2030؛ فقد أظهرت نتائج التقييم في العام 2015م أنّ 0% من نسبة السكان العمانيين ولله الحمد والمنة يعيشون فوق خط الفقر الدولي. وأشارت أيضاً إلى توافر استراتيجية وطنية محلية لتخفيف المخاطر المتعلقة بالكوارث بنسبة 100% مع اعتماد وتنفيذ استراتيجيات محلية للحد من مخاطر الكوارث تماشياً مع الاسترتيجية الوطنية. وتأتي نسبة الإنفاق الحكومي على الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة والحماية الاجتماعية في العام 2017م كمؤشر هام يؤكد تحقيق الهدف قبل عام 2030 فالصرف على التعليم وصل إلى معدل 15.0% والصحة 6.3% والضمان والرعاية الاجتماعية بنسبة 3.9% من الإنفاق العام للدولة. وتوافقاً مع النسب المنشورة فقد جاءت المعدلات التالية لتؤكد أنّ انخفاض معدل انتشار توقف النمو (الطول بالنسبة للعمر) بين الأطفال دون سن الخامسة قد انخفض إلى 11.4% وانتشار سوء التغذية بين الأطفال دون سن الخامسة قد تراجع حسب نوعيته فالهزال تضاءل إلى 9.3% لحد 2017م بينما ارتفعت معدلات الوزن إلى 3.1% مقارنة بالأعوام السابقة نظراً للبرامج الصحية والتوعوية المكثفة. وجاءت مؤشرات التوجه الزراعي للنفقات الحكومية كنسبة الإنفاق الحكومي على الزراعة من إجمالي الإنفاق الحكومي إلى 0.86% وارتفع مؤشر مفارقات أسعار الغذاء إلى 103% كاستراتيجيات تعزز تحقيق الهدف.
وقياساً للبعد الرقمي فإنّ التحديات ما زالت على مشارف الطريق ولكن دمج الأهداف السبعة عشر ضمن الرؤية المستقبلية عمان 2040 ستكون هي الشعلة التي تقودنا في طريق تحقيق الغايات.

تعليق عبر الفيس بوك