"منهج كامبريدج" جسر للتطور أم عقبة للتعقيد؟

ناصر بن سلطان العموري

منهج كامبريدج لا يزال يثير الجدل، على الرغم من أن تطبيقه من قبل وزارة التربية والتعليم مضى عليه الآن أكثر من خمس سنوات، صحيح أنه بدأ بشكل متدرِّج؛ سواء من حيث نوعية المدارس المطبَّق بها المنهج، أو فيما يتعلق بتعدد المواد وتنوعها، أو المراحل الدراسية، ولكني أعتقد أن فترة اختباره أو حضانته لم تكن بالقدر الكافي لمعرفة السلبيات والإيجابيات وأوجه القصور، والدليل: الجدل الذي ما زال يصاحب هذا المنهج إلى يومنا هذا؛ سواء كان من قبل معلمي المواد أو الطلاب وبدورهم أولياء الأمور.

ونظرًا لأهمية هذا الموضوع -لا سيما وأنه يمس شريحة مهمة في المجتمع، وهي طلاب المدارس- كنت قد طرحت مقاليْن الأول والأقدم كان حينها سنة 2017 بعنوان "أبناؤنا ومنهج كامبريدج.. إلى أين؟" والثاني والأحداث سنة 2018 بعنوان "منهج كامبريدج بين التطبيق والتحديات"، كنت حينها قد نقلت نبض الشارع العام من أولياء أمور وطلاب حول التخوف من منهج كامبريدج الدخيل آنذاك، وتأثيره السلبي؛ كونه منهجا أجنبيا ربما غير مُوائم للبيئة التعليمية العمانية؛ فكل دخيل غريب كما يقال، نتيجة عدم التأهيل الكافي للطلاب ولا ذويهم للمادة ولا حتى المعلمين أنفسهم آنذاك.

وحقيقة ما دعاني لكتابة مقال ثالث عن نفس الموضوع في سنين متفاوتة هو المناشدة التى وصلتني من أحد أولياء الأمور حينما تفاجأ بهبوط درجات ابنه عن المعدل الذي كان يتوقعه، وهو يعلم علم اليقين بناء على مُتابعته المستمرة له ودرجاته الصفية أن مستواه مرتفع، ولكن درجة امتحان الفصل الدراسي الأول وضعت أمامه علامة استفهام كبيرة بأن هناك خللًا ما. وانتظر بفارغ الصبر انتهاء إجازة ما بين الفصلين للقاء مدرس المادة حينما طمأنه أنَّ العتب ليس على الطالب بقدر ما هو على منهج المادة؛ فالطلاب الظاهر أنهم ما زالوا لم يتأقلموا بالشكل الأمثل، والدليل أنَّ هناك نسبة غير قليلة من الطلاب ولنفس المادة (الرياضيات) لم تكن درجاتهم مرضية، وهذا بطبيعة الحال لا يرجع إلى المعلم وحده في المقام الأول، بل لعدم وجود امتحانات تجريبية للمنهج في النظام غير امتحان واحد فقط، وهو غير كاف لتقديم مؤشر يدل على فهم الطلاب للمنهج، كما أنَّ امتحان الرياضيات -وأتحدث هنا عن امتحان الصف السابع- قد كان طويلًا للغاية 8 صفحات بالنسبة لفصول تأهيلية مقارنة بالوقت الممنوح لهم ساعة واحدة فقط، والمفترض أن تكون مدته ساعتين أو ساعة لأربع صفحات؛ فلماذا لا تكون مثل هذه الامتحانات تجريبية أكثر منها تقييمية؛ فهي في الأخير جسر عبور لتقييم المستوي المبدئي لا سيما إذا تعلق الأمر بمنهج جديد عليهم نسبيا، وللعلم الجدل الدائر حول المنهج يتعلق بسائر الصفوف المطبق فيها المنهج؛ فهناك امتعاضٌ كبير بين أولياء الأمور.

لا شك أنَّ هناك تحديات كثيرة تواجه تطبيق المنهج ومنها عدم قابلية الطالب لتقبُّل المنهج الدخيل بعد تعوده لسنين مضت على المنهج السابق، إضافة للضعف القرائي لدى بعض الطلاب، وكذلك الأعداد الكبيرة من الطلاب في كل صف بالنسبة للمدارس الحكومية وقصر زمن الحصة الدراسية؛ مما لا يعطي مساحة زمنية كافية لمدرس المادة لشرح المنهج، أضف إلى ذلك طول المنهج الدراسي مقارنة بالمدة الزمنية المتاحة لكل فصل، وكلها عوامل تمثل تحديا قائما، آملين أن يتم التغلب عليها من قبل القائمين على المنهج في القريب العاجل.

كُلنا مع تطوير المناهج، والاستفادة من الخبرات العالمية، وهذا يحسب لوزارة التربية والتعليم، ولكن يجب أن تكون وفق أسس وخطوات متدرجة، عِوَضا عن أن تكون بشكل مباشر وفوري.. والسؤال هنا: هل تم استخلاص الإيجابيات ومعرفة أوجه القصور عند تطبيق المنهج خلال الأعوام الفائتة بشكل تجريبي في عدد من مدارس التعليم الأساسي بمناطق تعليمية مختلفة بالسلطنة؟ وهل أخذت الوزارة في اعتبارها قبل تطبيق البرنامج فوارق الذكاء والاستيعاب بين الطلاب؟ وهنا يكمن الفرق في استيعابهم للمنهج من عدمه!

المطلوب هنا أنْ يتم تقييم كل مرحلة على حدة بشكل علمي دقيق لاستخلاص الإيجابيات والسلبيات والاستفادة منها في المراحل المقبلة، والنزول لأرض الميدان والالتقاء بالمدرس والطالب وولي الأمر مراراً وتكراراً؛ فهم أركان المعادلة التربوية، ونجاح أي مشروع تربوي مرتبط بهم، كما أتمنى أنْ تأخذ وزارة التربية والتعليم ملاحظات أولياء الأمور، وما تفرزه مواقع التواصل ووسائل الإعلام المختلفة قيد الاهتمام والدراسة، وأن يتم تعديل المسار في أقرب وقت؛ فالهدف واحد وإنْ اختلفت الطرق؛ فمصلحة الطالب يجب أن توضع فوق كل اعتبار؛ فمنها يأتي نجاح العملية التعليمية.