الإصلاح المالي المطلوب

فايزة الكلبانية

(1)

لا يختلف اثنان على الدور التنموي للبنوك، بَيْد أنَّ هذا الدور بحاجة اليوم لأن يتعمَّق فعليًّا على أرض الواقع، ويُوثَّق ارتباطه أكثر بأهداف وغايات الخطط الخمسية المقبلة، لمواكَبة الأولويات الوطنية والاقتصادية الطامحة، التي تتطلع للمستقبل الحالم بـ"عُمان في مصاف الدول المتقدمة"، إذ إنّه من الملاحَظ انحصار اهتمام المؤسسات المصرفية العاملة ببلادنا على الأرباح والاستهلاك وحجم العائدات وغيرها، بصورة أكبر بكثير من الإسهام في دعم وتحقيق الأبعاد التنموية بالشكل المطلوب؛ وبات من المألوف بيننا أنَّ البنوك تركِّز على القروض الشخصية أكثر من غيرها، نتيجة حجم الفوائد المتحصَّلة.. إلا أنَّ هذا الواقع وهذا الاعتقاد لابد وحتمًا أن يتغير ويوضع بعين الاعتبار في أي خُطط تستهدف تحقيق الإصلاح المالي، فرحلة بلوغ المستقبل "2040" والأهداف المنشودة والمؤشرات المستهدفة لن تتحقق باستمرار هذه السياسة الربحية، بل لابد أن تُركز البنوك في توجهاتها الجديدة على التنمية بصورة أكبر، وتسهِّل ميزات لقروضٍ تجارية أو استثمارية؛ تعود فوائدها بالنفع على مسيرة الاقتصاد الوطني، وتُبقى الأموال في دائرة تطوير الاستثمار محليًّا.. وبالمناسبة، هو حديث ينسحب أيضًا على ضرورة تطوير سياسات بنك التنمية العُماني، ومضاعفة رأس ماله؛ بحيث يستطيع أن يقدم الدعم اللازم للقطاع الخاص - من شركات كبيرة وصغيرة ومتوسطة- والراغبين في الاستثمار، بتقليل نسب الفوائد على القروض، وتسهيل الشروط (التي تكون في بعض الأحيان تعجيزيَّة لبعض المتقدِّمين).

 

 (2)

إنَّ خطط الإصلاح المالي كذلك لابد أن تعالج - وبصورة عاجلة- تحدِّي التمويل، إذا كنا نستهدف فعلا إصلاحًا يحدُّ من مسبِّبات الركود الاستثماري؛ وهو حديثٌ يستدعي في المقابل الإشارة إلى نسب الفائدة المرتفعة التي يتكبَّدها المُقترض عند حاجته للتمويل من أي بنك، وما تسبِّبه من أعباء إضافية، لا سيما ونحن نترقب تطبيق ضريبة القيمة المضافة، وما سيُواكبها بكل تأكيد من ارتفاع في الأسعار، وتضاعف تكاليف المنتجات الاستهلاكية، وإضافات في الرسوم والضرائب، كلها ستكبل المستثمر المحلي بالتحديات والعراقيل التمويلية، وبالتالي فإنَّ قطاع المصارف والبنوك العاملة في بلادنا مطالبة بأن تتجه لدراسة تخفيض نسب الفوائد على التمويل، خصوصاً في وقت الأزمات؛ لتحفيز المستثمرين للإقبال على الاستثمار بتمويل أكثر تحفيزا، على أن يتم دراسة إعادة النسبة بشكل تدريجي وقت الرخاء وانتعاش الأسواق، فتكون هناك مرونة في تحديد نسب الفوائد على القروض، بما يتناسب ووضع السوق، على أن يتم ذلك بسلاسة ومراعاة لأوضاع السوق والأفراد المعيشية والظروف الاقتصادية للبلاد.

 

(3)

أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة تواجههم أيضًا تحديات عديدة تتعلق بـ"التمويل"، رغم وجود مؤسسات حكومية ومصرفية معنية في بلادنا بتوفير آليات مختلفة لتمويل مشاريعهم؛ سواء بقروض تمويلية تأتي عن طريق "صندوق الرفد" أو "شراكة" أو صندوق تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة (إنماء) أو البنوك التجارية والإسلامية الأخرى، إلا أنَّ ذلك لم يعد كافيا، إذ لا يزال القطاع بحاجة لتكاتف جهود الجهات المصرفية لتسهيل التمويل المقدَّم لهذه المؤسسات؛ إذا ما كانت هناك غبة جادة فعليًّا لحل قضية الباحثين عن عمل، فإتاحة الفرصة وإفساح المجال لهم لخوض تجربة العمل الحر ستحل جانبًا كبيرًا من القضية بكل تأكيد. إضافة للعمل على إعادة جدولة ديون المشاريع المتعثرة، والتي هي اليوم بحاجة لتكاتف الجهود من أجل إيجاد حلول ناجعة لها؛ لما يعوَّل على هذا القطاع من المُساهمة في تحقيق الانتعاش الاقتصادي، وبالتالي توسيع الحلول ليتمكَّن أصحاب هذه المؤسسات من الحصول على فرص تمويل بامتيازات وتسهيلات أكبر.

 

(4)

جهات تمويلية كثيرة ومتعددة في البلاد، وثقافة اجتماعية يرى فيها البعض أنَّ التوجه للاقتراض هو الحل الأمثل لأزمته المالية للوصول إلى تحقيق أحلامه، "آخذ قرضًا مَهْمَا تبلغ نسبة الفائدة، وأشتري سيارة، أو أبني بيتًا، أو أدرس، أو أتزوج، أو أسافر، أو أفتح مشروعي الخاص.. ومع السنوات سيمرُّ القسط الشهري وأحقق أحلامي"، ولكن اليوم، وفي ظل ما تمر به السلطنة والعالم أجمع من حالة عدم استقرار اقتصادي، أصبحت القروض عِبئا لا يُطاق، وأصبح سعر الفائدة على القروض ضغطا مضاعفًا على كل من يفكر أو يرغب في الاستثمار؛ سواء من حيث الشروط والضمانات التعجيزية، أو نسب الفائدة العالية، مما يجعل البعض يتراجع عن رغبته بتأسيس مشروعه أو يهرب للبحث عن بيئة استثمارية أفضل وأقل تعقيدا؛ لذا فإننا نجدد المناشدة بإعادة النظر في نسب الفوائد على القروض الشخصية والسكنية والاستثمارية.. وغيرها من متطلبات الحياة.