فاطمة الحارثي
تناولت منذ بضع سنين موضوع التعمين من جوانبه الاستثمارية، وما على غير العُماني من عمل ثقيل ليوازن ما يُصرف عليه مُقابل الأداء العملي والاستشاري والتعليمي لعُمان وللعُماني. معادلة بسيطة لكنها واضحة لا تحتمل الجدل. ففي الأخير عند موازنة مصروفات أية جهة سواء عامة أم خاصة في صرفها للعمالة غير العمانية فإن التكلفة العالية "جدا" تؤثر بشكل مباشر على الدخل الاستثماري للشركات والمؤسسات وأيضًا زيادة العجز.
العماني= راتب + بدلات + تدريب
غير العماني= راتب + بدلات + تدريب + مصروفات إقامة شخصية وعائلية + أثاث + صرف علاوات تعليم + ++
إذاً هل مفهوم تعيين غير العُماني بعذر عدم توفر عُماني للوظيفة أو لسرية وحساسية الوظيفة قرار سليم استثمارياً؟ ليراجع كل مسؤول لديه معرفة لأقل الأساسيات في الآيدولوجية الاستثمارية بكل شفافية لموازنة الشركة أو المؤسسة التي يخدم فيها للاستثمارات العُمالية سيدرك أين يكمن الإخفاق وأي جانب يحتاج إلى حلول أو تسريح.
شركات كبيرة أرهقتها الموازنات العمالية حتى بدأت بتسريح موظفيها لكن للأسف ولأنَّ على رأس هرمها الإداري عمالة غير عُمانية يقدمون حلولا أستطيع أن أقول عنها "غير استثمارية" تخدم مصالح وأهداف شخصية، لا أحد يستطيع أن ينكر أن عُمان بلد السلام والأمان بالتالي النزعة الفطرية التي لدى الإنسان تدفعه إلى التشبث بالبقاء على هذه الأرض مهما كلفه الأمر، والعامل غير العماني بدأ بالتمادي في غريزته تلك والابتعاد عن الجانب الاستثماري والتحقق المالي "العوائد" الذي من أجله تم استقدامه ليزاحم ويقدم عرضا أصبح يزعجنا نحن من استقدمناه لأن النتائج المالية والاستثمارية لم تعد ترضي اقتصادنا، فبعد أن كان منذ بضع سنين ذا نفع فكري واقتصادي أصابته التخمة فتبلد فكره وقل عمله وأداؤه. في المقابل تطور العماني وتعلم وأيضاً الخليجي والعربي في زمن قياسي هيمنة العقول العربية على اقتصاديات العالم ووضعت بصمتها وأثرت عليه بشكل مطلق ومحكم. وهذا يقودنا إلى وجوب إعادة "الحسبة" مرة أخرى سواء العروض المقدمة للعماني أو لغير العماني بما يخدم مصلحة الاستثمارات "العمل هو عمل" مبعدين عن فكرنا أية جوانب أخرى غير استثمارية تُفيد الواقع الاقتصادي المحلي والمجاور والعالمي.
إن البديهيات يعيها كل متابع مفكر ومجتهد من أجل عمان والإنسان العماني، لا أكاد أخفي سعادتي لما أراه في الآونة الأخيرة لدى بعض الشركات والمؤسسات الكبيرة للمزيج الفكري العماني والخليجي والعربي المشترك في العمل وفي الندوات واللقاءات الفكرية والاقتصادية والتنموية على أرض السلطنة، بل أصبحت اللغة العربية في بعض هذه اللقاءات لغة رسمية فيها ولا أجد المضاضة التي كان يرسمها العامل الآسيوي سابقاً في العامل الأوروبي والغربي أثناء هذه الاجتماعات، فهو بدون تذمر يستخدم "التكنولوجيا الحديثة" ويضع جهاز الترجمة ليتفاعل بأداء مرتفع.
قد لا يعجب البعض طرحي هذا لكننا لا يمكننا العيش في عُزلة عن العالم وأيضًا وجب احترام العماني العامل خارج السلطنة وعدم إحراجه بسلوكيات داخلية يقوم بها البعض غير الواعي كي لا ترتد عليه "كرد فعل" من بعض المتعصبين لما يحدث هنا للمقيمين من تلك البلاد. الطرح الانفعالي والعاطفي لا يحمل أية حكمة أو حلول حقيقية ذات نفع عام وطويلة المدى أيضا التعميم على فرديات أمر مؤسف يوتر الاستقرار الإنساني والاقتصادي.
جسر..
العمل ليس محتكراً للفرد أو جماعة أو قبيلة أو جنسية، بل هو منبع الاستقرار والاستدامة البيئية والاقتصادية والاجتماعية "الإنسان"، وضم جهابذة الاقتصاد العماني والخليجي والعربي هو أقصى ما يمكن من مؤسسة وشركة أن تفخر به، فالمصير الواحد والمصلحة المشتركة تفجر طاقات فكرية واقتصادية تحول التراب إلى ذهب.
كم جميل أن نفخر بإمكانيات اللغة العربية في التعبير الاقتصادي التقني والإداري مثلما تفعل الدول الكبرى اقتصاديا من تقدير للغتها، فخر لغة التجارة "الإنجليزية" قوضته الصين وألمانيا و و و! فمتى نعي أن تمسكنا بهويتنا يحقق بقاء حضارتنا؟