ثقافة الغنى

 

 

إسماعيل بن شهاب البلوشي

لفترة ليستْ بالقصيرة أفكر في أسباب التباين الكبير بين الشعوب، خاصة في شكل البناء لأوطانهم وتأمين قوتهم، وكذلك أسباب قوتهم وحتى في المقدرة والإقناع بأسلوب ذكي ومدروس في الدفاع بالكلمة عن أوطانهم.

إنَّ أول اقتناع لدي أنَّ الأمة التي نعيش فيها يتغلب عليها اعتقاد الفرد منا بأنه شخصيًّا غير مؤثر سلباً أو إيجاباً في الناتج العام للفكر والأحداث، وأنه ينتظر الحل من جهة أخرى لكل شيء، وأنه أبداً لم يكن معنيًّا بأي خطأ، مع التقليل بالكثير من مساهماته الإيجابية، وهناك من المسؤولين أو التجار أو قل بشكل عام إنَّ الحكومة بتلك الصفة المبهمة أو المعجزة، هي من تملك حلًّا لكل شيء. وفي سياق الحديث العام، تجدنا جميعاً نتوسع ونتنافس في الطموح والطلبات والمخططات والبناء والمستويات، ونضرب الأمثال بكل ما هو متوفر ومعروض في الأسواق، أو أنه مُطبَّق في دولة ما، يتم المقارنة بها دون العلم والمعرفة بخصوصية كل دولة، ولو أن هذا الأمر توقف عند الفرد، فقد يكون الحل أقرب إلى تصغير المشكلة، ولكن عندما ترى وطناً تخصَّص أكثر مسؤوليه للجمع والطلبات والبناء الذي يُمكن أن يراه أي إنسان، ويتساءل: أليس هذا المسؤول من هذا الوطن؟ وكذلك أليس هناك بديل؟ هل هناك من هو أحوج منه في جهة أخرى من الوطن؟ وهل الوطن يستطيع أن يعطي ويبني للجميع ولكل الجهات بنفس المستوى؟ وهل يقبل على نفسه أن الوطن بما يقوم هو بطلبه وعمله وبنائه هو على حساب السمة الدولية والتصنيف العالمي والقروض؟ وهل يقبل أن يبني مرافق بصفة الخمسة نجوم، وهناك من ينتظر لعامٍ كاملٍ؛ كي يحظى بموعد طبي؟ وهل وضع في الحسبان القيمة التشغيلية والصيانة لهذه المنشآت؟ والسؤال الأهم إذا كان هو كذلك يريد الظهور في داخل مؤسسته أو خارجها وكل إنجازه طلب المال وصرفه، فأين تلك الجهة المترفعة المطلعة القوية الصارمة التي تزن الأمور، وتستمع الى الجميع، فتقرر ما هو مناسب، وتعطي الأمر توازناً تكون فيه المصلحة العامة عنواناً وهدفاً لا حياد فيه، ولا شخصاً مؤثراً مهما كان سمته أو منصبه؛ فإذا كان الحديث مقبولاً، أو كان الحديث مطلوباً أو على الأقل هناك من يستمع ويصغي له دون مسايرات أو مجاملات، فإنَّ التحدي القادم وأسلوب مواجهته يتطلب إجراءات عملية حازمة واختيار شخصيات تعِي تماماً أنَّ الفخر بالإنجاز هو حرفة يكون فيها الإبداع والإتقان واجهة العمل، وليس التغني بالعمل من خلال المطالبة بالمال وهدره وحسب.

وعلى رأس كل ذلك، يجب أن تكون هناك شخصية مهمَّة على مستوى الوطن لديها الكفاءة والصلاحية إلا محدودة، وأن تقضي أمراً ونهياً في الجوانب الإدارية والمالية، وحتى على ما يُسمَّى بالوزارات السيادية؛ فالسيادة بعملها وواجهتها ومستواها ولا سيادة لجزء من الوطن على مجمل الوطن والمصلحة القومية.

... إنَّ جلالة السلطان المعظم -أيَّده الله- يجب أن يكون من حوله خلال المرحلة المقبلة كفاءات ومستويات من الرجال هم بعيدون كل البعد عن المستوى التقليدي، وأن تكون المناصب القيادية القادمة همها ومصدرها الإبداع بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وأن ينتهي عصر الوزير الذي لا معقب من بعده، وكأنه دولة في دولة، وأنَّ لدي من الأمثلة فيما يتم بناؤه وعمله على مستوى الوطن هو بحاجة لمراجعة بل ومساءلة جدية، وأن تكون المساءلة من جهة غير تابعة للوزارت المعنية، ولسوف أعطي أمثلة في مقالي القادم؛ وذلك من منطلق الشفافية والمصلحة العليا للوطن.. حفظ الله جلالة السلطان هيثم بن طارق بن تيمور المعظم وأيده بنصره، إنه على كل شيء قدير.