أنيسة الهوتية
جَمال وجه المرأة على اختلاف تفاصيله الدقيقة بين الحضارات والثقافات والأزمنة، إلا أنه يرتبط بقاسم مشترك وهي "الخُدود"! ومهما اختلفت أبيات الشعراء في وصف لون الشعر، والعيون، والبشرة، والطول، والقوام، إلا أنَّها كانت تتفق جميعها على "الخدود" المُنَعمة، وما وصفت الخدود بجمال الخجل للخجل، بل لتوردها عند هذا الشعور.
وقانون "مثلث الجمال" الذي أظهرته بقوة مدرسة علم الجمال الحديث مع عمليات الشد المختلفة، دفنت جمال الخدود إلى أبعد الحدود وخلقت نوعًا آخر من الجمال المشدود الذي يفتقر للملامح الأنثوية البريئة إلى حد ما! ومن المؤكد أنَّ هذه الاختراعات أتت بعد أن صارت الاختراعات الأخيرة قديمة وفاشلة في إبقاء الخدود الجميلة طبيعية مع حقن البوتوكس والفيلر. ولا ننكر أننا كنَّا نشاهد هذا الفشل في المسلسلات الخليجية والعربية من خلال حالات"الانتفاخ" غير الطبيعية للخدود والشفاه!! وطبعًا، الشفاه المُمتلئة الكبيرة لم تكن رمزاً للجمال العربي، ولا العالمي، وهي نوعٌ دخيل من الجمال!
ونرجع إلى أساس المقال، "الخدود" والتي كنت أرغب فيها بشدة في صغري حين كان وجهي يُطابق مثلث الجمال الحالي، وهذا يجعلني أحكم على نفسي بأني جمالياً أُحلق خارج السرب. وهذه "الخدود" التي هي الوصفة السرية لجاذبية المرأة، كانت الرغبة الأساسية لكل امرأة تفتقدها، لربما للتشبه بجميلات الشاشة الفضية آنذاك واللاتي سحرن ألباب "شيابنا" في شبابهم ولازالت تسحر الأنظار من خلال تلك الصور القديمة وإن كانت بالأبيض والأسود.
تلك الخدود التي كانت تُضفي لمسة سحرية إلى جمال المرأة وتضفي عليها رتوش العفوية والبراءة، والتي كانت هي أساس عشق الرجل لملامحها، مثل جمال فاتن حمامة، زبيدة ثروت، نادية لطفي، شادية، سعاد حسني، والشحرورة صباح التي كانت قامة جمالية مُذهلة بوجهها الممتلئ الجميل قبل عمليات الشد والفيلر والبوتوكس! والتي تجعل البشرة تعيش حالة إدمان عليها دون أدنى شك، ولا أستبعد أنَّ النتائج بعد حين ستكون نفس نتائج المخدرات على عقل وحياة مدمنها.
ومع ذكر كل تلك الأسماء كان هناك اسمٌ واحد والتي كنت أسميها "دبل خدود"، والذي أضفى عليها "دبل جاذبية"، إنه اسمٌ امتلكت صاحبته قلوب الرجال العرب من المشرق إلى المغرب بجمالها الطبيعي غير الطبيعي، طبعاً مع إضافة اللمسة السحرية للخدود المضاعفة، ورغم أنها أرمينية الأصل إلا أنَّها كانت تحمل ملامح عربية مُتكاملة، مكملة لكل المواصفات الجمالية التي تواجدت في أبيات الشعراء العرب من أيام الجاهلية وقبله وبعده! وهذا الاسم الذي جعل "شياب" العرب المسحورين بجمالها الجذاب ينادون به حتى أثناء نومهم -كما سمعت من سوالف بعض الجدات- والتي هي سميرة توفيق.
كلما تمر بي تلك الصور، أشعر بأننا نفتقد تلك الوجوه الطبيعية العفوية، ليس فقط على الشاشة الفضية بل أيضاً في الحياة الطبيعية بعد أن اجتاحت حالات القص واللصق المختلفة الوجوه النسائية! وما أن استرحنا من رؤية النفخ المفرط في الخدود والشفاه، وإذا بنا نرى تخزين الخد أسفل العين وسحب الوجه إلى الصدغ لخلق "مثلث الجمال" الذي أصبحنا نراه في كل وجه أنثوي من عالم الفن، والإعلام، و"الفاشينيستات"، حتى الابتسامات تشابهت إما "إبتسامة هولييود" أو "أسنان الأرنب"، وفَك تِكساس مع ذقن نفرتيتي! وكأننا في سباق لنسخ ولصق الوجه! ثم تأتي إحداهن وتقول "أنا الأجمل"! بالله عليكِ! كيف تكونين الأجمل وأنتِ نسخة مكررة!
أصبحت النساء مثل دُمى باربي المتشابهة، جميلات وجذابات جداً ولكن بلا تعابير ولا روح!