إدارة العلاقة مع المواطنين

 

مستقبل واعد لخدمات إلكترونية فاعلة ومتميزة في القطاع الحكومي

شفيق العبري

 

إن التطور المتسارع الذي يشهده قطاع تكنولوجيا المعلومات والإتصالات أحدث تغييرات جذرية في شتى مناحي الحياة سواء على المستوى الفردي أو المؤسساتي. إذ أن ذلك التطور حدا بالبعض أن يطلق على هذا العصر بأنه عصر كل شيء الكتروني. وأن تلك التكنولوجيا فرضت نفسها لتفتح مجالات أرحب لوظائف مستقبلية بخلاف الوظائف المتوفرة حالياً إذ أنه من المتوقع أن يحدث تغيير كبير في الوظائف المستقبلية لدرجة أن 50% من الوظائف الحالية قد تختفي في عصر أصبحت فيه التكنولوجيا تتربع مرتبة عالية في حياتنا الشخصية كأفراد وفي حياة المؤسسات، ويتوقع الخبراء أن تكون التكنولوجيا سبباً في الإستغناء عن وظائف قائمة حالياً مثل تلك التي ترتكز على الروتين أو القدرات البدنية بوظائف أخرى جديدة كلياً كالوظائف القائمة على الإبداع وصناعة المحتوى والتصميم. كما أحدث ذلك التطور نقلة نوعية وكمية في مستوى انجاز المؤسسات الحكومية والخاصة. وأشار خبراء الإدارة إلى أن الكثير من المفاهيم الإدارية في ظل التطور التكنولوجي تغيرت أو في طريقها إلى التغيير لتحل محلها مفاهيم إدارية جديدة.

 

 وإذا ما تمعنا في تجربة القطاع الخاص فإننا نجد بأنه استطاع توظيف التكنولوجيا التي مكنته من إمتلاك كم هائل من المعرفة والمعلومات، الأمر الذي أسهم في تمكينه من بلوغ الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها وأصبح قادراً على تسريع وتيرة التغيير ومواكبة كافة المستجدات وتلبية حاجات ومتطلبات عملائه. إذ أن عدم إمتلاك المعرفة والمعلومات سيبقي المؤسسات جامدة لا تتطور ولا تتغير، وإن حدث التغيير سيكون بطيئاً يستغرق فترة زمنية طويلة. وإذا ما قارنا حجم المعلومات التي تمتلكها بعض المؤسسات الخاصة عن المواطنين في أية دولة فهي أكثر بكثير مما تمتلكه المؤسسات الحكومية وهذا ما أعطاها ميزة القدرة على فهم عملائها ورغباتهم وبالتالي تطوير منتجاتها وخدماتها بناءً على تحليل دقيق واستفادة قصوى من تلك المعلومات. إذ يؤكد الكثيرين بأن القطاع الخاص يعرف أكثر مما تعرفه أي حكومة في العالم عن المواطنين.  وبالتالي فإن من يملك المعلومة هو من سيملك المستقبل.  وأنه في ظل التطور التكنولوجي فإن المؤسسات الحكومية بشكلها التقليدي أو في حال عدم قدرتها على مجاراة التطور التكنولوجي لن تكون قادرة على أن تخطط وتصنع المستقبل. وعليه فإنه أصبح لزاماً على المؤسسات الحكومية أن تستفيد من التطور التكنولوجي المتسارع لبناء رصيد معرفي من خلال خلق علاقات فاعلة وطويلة الأجل مع المواطنين حتى يمكنها ذلك من التخطيط للمستقبل وفق بيانات واقعية وحديثة كما سيمكنها ذلك من تلبية كافة متطلبات واحتياجات المواطنين بأيسر الطرق وأكثرها فاعلية. ومن المعلوم بأن الكثير من إقتصادات العالم تقوم على المعلومات التي تشكل رصيداً فكرياً وإبداعياً وحضارياً يقود إلى الإنجاز وإحداث تغييرات كبيرة على أرض الواقع. إذ أن المعلومات هي التي تغير كل شيء، وأنها سمة أساسية للعصر الحالي.

 

وقد كانت مؤسسات القطاع الخاص رائدة في الإستفادة من التطور التكنولوجي في تطوير منتجاتها وخدماتها وبناء علاقات فاعلة مع عملائها. وإن المطلع على الدراسات العلمية وعلى التجارب الواقعية يجد الكثيرمن المفاهيم والأنظمة التكنولوجية التي بدأ تطبيقها في القطاع الخاص انتقلت مع مرور الزمن وتطور الدراسات والتجارب إلى القطاع الحكومي، الذي أصبح هو الآخر يسعى بشكل حثيث إلى مواكبة التطور التكنولوجي وتقديم خدمات أفضل للمواطنين. فعلى سبيل المثال وليس الحصر فإن نشأة الحكومة الإلكترونية (e-government) جاءت عقب النجاح والتوسع التكنولوجي الكبير في الأعمال الإلكترونية (e-business) في القطاع الخاص. ومع التطور التكنولوجي المتسارع الذي يشهده عالمنا المعاصر فإن المؤسسات سواء كانت الحكومية أو الخاصة تجد نفسها بحاجة إلى مواكبة تلك المتغيرات وذلك لرفع مستوى كفاءة وجودة عملياتها وأدائها وكذلك كان لزاماً على تلك المؤسسات أن تسعى إلى تلبية الحاجات المتزايدة للمستفيدين من خدماتها أو المستهلكين لمنتجاتها نتيجة لزيادة الوعي المجتمعي. ومن هنا فقد برز في القطاع الخاص أنظمة جديدة تهدف بالدرجة الأولى إلى التركيز على احتياجات ورغبات عملائها الذين تعتبرهم المؤسسات الخاصة الركيزة الأساسية التي يجب أن تكرس جهودها من أجل إشباع حاجاتهم وتلبية متطلباتهم، ولذلك فقد شرعت في تنفيذ أنظمة الكترونية بل استراتيجيات متطورة لإدارة علاقة فاعلة ومربحة وطويلة الأجل مع العملاء من خلال تنفيذ منظومة إدارة العلاقة مع العملاء / الزبائن (Customer Relationship Management). إذ ترى مؤسسات القطاع الخاص بأن المحافظة على العملاء الحاليين والإبقاء عليهم وتحقيق متطلباتهم أفضل بكثير من السعي إلى البحث عن عملاء جدد لما يكلفه ذلك من مبالغ مالية كبيرة للإعلانات وغيرها. كما أن السعي لتلبية متطلبات العملاء سيزيد من ربحية تلك المؤسسات وتحقيقها لعوائد مالية كبيرة. وبالإضافة إلى ذلك فإن تنفيذ تلك الأنظمة سيمكنها من المنافسة ودخول الأسواق الجديدة. وتنظر للعميل بأنه مركز التفكير والقرار وهو الأساس في تحديد الإتجاهات المستقبلية لها. إذ إنتقلت تلك المؤسسات من أولوية التفكير في المنتجات إلى أولوية التفكير والتركيز في العميل وحاجاته وأن يكون هو المرتكز الأساسي للتطوير والتغيير. وأستطاعت مؤسسات القطاع الخاص من خلال هذه المنظومة جمع كم كبير من المعلومات مكنها ذلك من تحديد رغبات وحاجات عملائها وكذلك التخطيط الإستراتيجي المستقبلي.

 

وفي المقابل، فقد شرعت الكثير من المؤسسات الحكومية في العديد من دول العالم إلى الإستفادة من التجارب الناجحة في القطاع الخاص ونقل مثل تلك المفاهيم لتطبيقها في القطاع الحكومي. إذ أدركت تلك المؤسسات حاجتها إلى التخلص من البيروقراطية، والبطء في إنجاز المعاملات، وعدم القدرة على اتخاذ القرارات والإجراءات الفورية. كما أن المؤسسات الحكومية على المستوى العالمي أصبحت تواجه طلباً متزايداً من المواطنين لتلبية متطلباتهم ورغباتهم في الحصول على خدمات لا تقل في مستواها عن تلك التي يقدمها القطاع الخاص لعملائه. وعليه فقد بدأت الكثير من المؤسسات الحكومية على المستوى العالمي في تنفيذ مشاريع إدارة العلاقة مع المواطنين (Citizen Relationship Management) أسوة بتلك المطبقة في القطاع الخاص. والتي يعرفها البعض على أنها استراتيجية للمنظمة يتم تمكينها بواسطة التكنولوجيا مع التركيز الواسع على المواطنين بهدف الحفاظ على العلاقات معهم وتحسينها وترسيخ مبدأ المواطنة والحق في الحصول على خدمات متطورة بطرق سهلة ميسرة. وإن السعي في تنفيذ مثل هذه الأنظمة هو اعتراف من قبل الحكومات على أهمية بناء وتطوير العلاقة مع المواطنين ووضعهم في مركز التفكير والتطوير الحكومي. وقد أشارت الدراسات بأن الخدمات الإلكترونية الحكومية القائمة على مبدأ التركيز على المواطنين لها تأثير إيجابي على نوعية ومستوى حياة المواطنين. وإن هذه الأنظمة هي اتساع للفكرة الرئيسية وهي الحكومة الإلكترونية، إذ أن الحكومة الإلكترونية ترتبط بعلاقات متعددة من بينها العلاقة مع المؤسسات الحكومية الأخرى، والعلاقة مع المؤسسات الخاصة، والعلاقة مع الموظفين، والعلاقة مع المواطنين. أما منظومة إدارة العلاقة مع  المواطنين جاءت لتعطي أهمية كبيرة وتركيزاً عميقاً لعلاقة الحكومة مع المواطنين، بحيث تخلق علاقة فاعلة ومفيدة لكلا الطرفين (الحكومة والمواطنين).

 

 

وما يميز منظومة إدارة العلاقة مع المواطنين عن الأنظمة والخدمات الإلكترونية المعمول بها لدى الكثير من المؤسسات الحكومية، هو أن هذه المنظومة تكون مبنية على التكامل الداخلي التام بين الخدمات الإلكترونية المقدمة للمواطنين وكذلك تكاملها مع الخدمات الأخرى التي تقدمها الجهات ذات العلاقة. كما أن هذه المنظومة تتيح الحصول على الخدمات الإلكترونية من خلال قنوات تواصل متعددة تجتمع نتائجها في ملفات الكترونية موحدة ترتبط بقاعدة بيانات مركزية لدى المؤسسة الحكومية. وإن ذلك التكامل يمكن المواطنين من إنجاز معاملاتهم الكترونياً بكل سهولة ويسر وبعيداً عن البيروقراطية والتعقيدات الإدارية والإجراءات المطولة. كما أن التكامل بين الخدمات الإلكترونية التي تقدمها أي مؤسسة حكومية سيوفر سجلاً الكترونياً موحداً لكل مواطن تتوفر به كافة بياناته ومعاملاته وتعاملاته. والأمر المهم في ذلك التكامل بأنه سيرفع من مستوى الأداء المؤسسي إذ أنه سيمكن المؤسسة بكافة تشكيلها الإداري للعمل بشكل متكامل مسخرة جميع مواردها وإمكانياتها لتحقيق أهداف موحدة واستراتيجية. وذلك التكامل سيؤدي إلى عمل الأقسام المختلفة في الجهات الحكومية بطريقة تكاملية وليس في معزل عن بعضها البعض. وستوفر تلك المنظومة قاعدة بيانات موحدة تحتوي على رصيد معلوماتي ومعرفي كبير سيفيد المؤسسات الحكومية في التخطيط الإستراتيجي وفق معلومات متكاملة وآنية ودقيقة.

 

وبالإضافة إلى الإيجابيات والفوائد آنفة الذكر، فإن هذه المنظومة ستزيد من مشاركة المواطنين، وزيادة الشفافية والعدالة وبالتالي المساءلة، وستعمل على تطوير الخدمات الحالية، وتحسين الخدمات المتعلقة بالمواطنين، وتحسين مستوى القرارات الإدارية. وهناك فوائد أخرى لأنظمة إدارة العلاقة مع المواطنين وهي زيادة الإنتاجية والكفاءة التشغيلية، والتكامل بين التكنولوجيا والعمليات، والقدرة على قياس الأداء، ورفع مستوى الاستجابة لاحتياجات المواطنين وقضاياهم، وتوفير خدمات أكثر استجابة وسرعة وملاءمة وأقل كلفة. وإجمالاً يمكن القول بأن تلك المنظومة ستتيح بناء علاقة قوية بين الحكومة والمواطنين، وخلق بيئة محفزة ومشجعة للابتكار، وإعطاء صورة دقيقة عن سلوك المواطنين ورغباتهم من خلال الاستفادة من الكم الهائل من البيانات التي توفرها الأنظمة، وخفض التكاليف على المواطنين والمؤسسات الحكومية، ورفع كفاءة ونوعية العمل الإداري، والقضاء على البيروقراطية في النظم التقليدية. وعليه، فإنه من الأهمية أن تواكب المؤسسات الحكومية هذا التطور التكنولوجي وأن تشرع في بناء خدمات الكترونية متكاملة داخلياً وخارجياً من خلال تنفيذ أنظمة "إدارة العلاقة مع المواطنين" معتمدة في ذلك على أحدث ما خلصت به الدراسات والبحوث العلمية في هذا الجانب. إذ أنه في ظل التطور التكنولوجي المتسارع وحسب ما تم الحديث عنه سابقاً أصبح بالإمكان إحداث التكامل بين الخدمات الإلكترونية الحكومية ليتم تقديمها للمواطنين من خلال منصة الكترونية واحدة، بل أبعد من ذلك فإنه باستخدام ذات المبدأ يمكن أن تتكامل العديد من الأنظمة الإلكترونية للمؤسسات الحكومية الخدمية لتشكل واجهة الكترونية واحدة متكاملة تجمع بين جنباتها العديد من الخدمات الإلكترونية.

تعليق عبر الفيس بوك